1

332 30 6
                                    


سأقول ذلك بأبسط طريقة ممكنه ... جاري مزعجٌ جداً.

لا أفهم سبب إزاعاجه المستمر ما دام يعيش وحده. هو يصرخ كثيراً، يضحك كثيراً و يتحدث مع نفسه كثيراً، وصوتهُ عالٍ جداً و يمكنني سماع كل شيء لأن ما يفصل بيننا جدار واحد فقط. إنتقلت للعيش في هذا المنزل الذي قسمهُ صاحبهُ لنصفين منذ ثلاثة أسابيع، إستأجرت الجانب الأيمن من المنزل بينما يسكن جاري المزعج في الجانب الأيسر.

و لأن بيننا جدار يمكنني سماع ما يحدث في الجانب الأخر، أحياناً يأتي أصدقائه المزعجين لزيارته، و يمكنني سماع حوارهم بأكمله، على ما يبدوا أنهُ الأصغر سناً لذا من المفترض أن يتم مضايقته من قبلهم لكن ما يحدث هو العكس تماماً، هو يقوم بتقليد أصدقائه، معاركتهم و الإستهزاء بهم، يتم التنمر عليهم من قبله.

هو يخيفني كثيراً، ففي بعض الأحيان أشعر بأنهُ يحدث قوماً بأسره، يقول عبارات ك"لنحظى بوقت ممتع معاً" أو  " لنلعب معاً يا رفاق" و لكنهُ يسكن وحيداً في تلك الجه من المنزل لذا لا أعلم مع من يتحدث. أنا كاتبة، و طبيعة عملي الجلوس في المنزل و العمل بهدوء و تركيز تام، لكن الأمر أشبه بمستحيل مع جار صاخب مثله، حاولت التكيف مع الوضع الجديد بالكتابة عندما يكون جاري نائماً لكن الأمر صعب جداً لأن جدولي في تغير مستمر.

مثلاً عندما شاركت في معرض للكتب كان علي النوم في الليل و الإستيقاظ في الصباح الباكر لذهاب للمعرض،  و لكن المزعج يكون صاخباً جداً في منتصف الليل، كما لو أنهُ يتحدث مع الأشباح. اشتكيت لمؤجر المنزل لكنهُ قال أنهُ لا يستطيع التحدث معه لأن لا دخل لهُ في الأمر و أن علي تنبيه جاري بنفسي.

" كيف تجرؤ أيها الوغد، سأريك أنني الأفضل" صرخ جاري فجأتاً و هو يضرب بقبضة يده على الطاولة، لقد طفح الكيل سأذهب لألقنهُ درساً. لكن فجأه توقفت رجلاي عن الحراك عندما سمعتهُ يضحك، يبدوا بأنهُ يحظى بوقت ممتع لا أريد أن أفسد عليه متعته.

عدت إلى طاولتي حيث الكتب في كل مكان حولها و أوراق مبعثره هنا و هناك، جلست أمام حاسوبي و عاودت قراءت الفقرة التي كتبتها قبل أن يقطع جاري حبل أفكاري. و بعد مرور ربع ساعة من التحديق للأحرف أمتلكت فكرة لكتابتها، كم أكره أن يتم مقاطعة عملي، أنسى ما كنت أريد كتابته. حركت أصابعي بين الأحرف على لوحة المفاتيح بعينان تلمعان و أنا أكتب كالصاروخ، بدأت الأفكار تتدفق لعقلي من جديد، و أخيراً يمكنني المتابعة، على هذا المنوال سأتمكن من إنتهاء  قريباً، علي تسليم هذا الجزء لقسم التحرير بعد بضعة ساعات.

" ما هذا؟ كيف حدث هذا؟ أطلب الإعادة لقد تعطلت فأرة حاسوبي هذا غير عادل" نطق المتعصب في الجه المقابله و لم أنتبه إلى نفسي أضحك باستهزاء على جملته، يبدوا متضايقاً و لكن في نفس الوقت سعيداً. عندما عاودت تسليط تركيزي على قصتي إنتبهت إلى أنني كتبت ' فأرة الحاسوب'، كيف حدث هذا؟ لم يكن علي كتابة هذا، لابد أنهُ بسبب ذلك الأحمق. سيجلطني هذا المزعج، حسناً إذا سمعته يصرخ مجدداً سأتحدث معه.

~

مرت ساعة من الهدوء، يالها من راحة نفسية، كم إشتقت لهذا الهدوء. قمت بتحضير القهوة لي و بدأت بمراجعة الجزء الذي كتبته قبل أن أقوم بتسليمه. رفعت الكوب بهدوء و قربتهُ من فمي، شممت رائحة القهوة المعتقة قبل أن أمد شفتي لأتذوق عقار إعادت الحياة، و في لمح البصر شعرت بالسائل الأسود في كل مكان على ملابسي، صرخات تعلو و تزيد.

ركضت سريعاً نحو الحمام و جعلت دشاً من الماء البارد يصب فوق جسدي، كان الشراب ساخناً جداً و قد شعرت بحرارتهُ تلدغني. بعدها إستحممت لأزيل رائحته القويه عني. عندما عدت لمكتبي وجدت أن السائل قد إنسكب على حاسوبي أيضاً! كيف يجرأ ذلك الأحمق، لقد أخافني صراخهُ المفاجئ و جعلني أهتز بقوه و أسكب القهوة في كل مكان. مسحت الشراب عن حاسوبي الذي توقفت شاشتهُ عن العمل، عندما حاولت تشغيلها مجدداً لم تعمل.
قمت بكل شيء و باءت محاولاتي لفتح الحاسوب فاشلة، حتى مع أنني جففته جيداً إلا أنهُ توقف عن العمل تماماً و المروحة توقفت عن الدوران، كدت أفقد أعصابي أنا حتى لم أرسل عملي و بكل تأكيد ضاع هو و كل الكتابات التي كتبتها، من المستحيل أن أعاود كتابتها كما فعلت في اول مرة، هذا الحاسوب  جديد و غالي الثمن أيضاً ماذا سأفعل. 

"حسناً طفح الكيل سأذهب لتلقينه درساً لن ينساه ابداً" حدثت نفسي بغضب ثم خرجت و أنا أسرع خطاي للباب المجاور لباب منزلي، لا أزال أستطيع سماع صرخاته مع أنني خارج المنزل. رفعت يدي و طرقت الباب بكل ما أمتلكت من قوه، لكن لم يأتي لفتح الباب، أراهن أنهُ لا يستطيع سماعي بسبب صوته العالي ... ضغط على جرس المنزل، يمكنني سماعةُ يرن داخل المنزل لكن دون فائدة لم يفتح لي الباب.

بعد دقائق عاد الهدوء للمكان، هل توقف عن التحدث مع نفسه؟ وددت العودة لمنزلي لكن عندما لففت ظهري سمعت صوت بابهِ يفتح أخيراً. ظهر من خلفة الباب شاب في نفس عمري يعلق سماعة سوداء كبيرة حول رقبته، شعرهُ الأسود كان طويل و مبعثر بأطراف زرقاء اللون و غريبة جداً. ظل يحدق بي لثواني قبل أن ينحي و ينطق بستغراب :

" كيف يمكنني مساعدتك؟"

" بإخفاض صوتك "

" عذراً؟"

" أهدأ قليلاً، صوتك عالٍ جداً"

" ما الذي تقصدينه؟"

" أنك مزعج"

" هاه و من تكونين؟ مسؤولة الهدوء في المنطقة" سأل مستهزئًا.

" لا، لكن جارتك التي تحاول أن تعيش بسلام دون أن تسمع أحدهم يصرخ فجأتاً بأنهُ غير عادي أو لا أعلم ماذا يحدث عندك" .

" أنا لاعب، ألعب ألعاب إلكترونية و أقوم بتصويرها من أجل قناتي في برنامج اليوتيوب لذلك أكون متحمساً أحياناً"

" متحمس؟ أضن أنك تقصد متعصب ... لا يهمني هذا، فقط أبقى هادئاً أيها المزعج" عندها خطوت للخلف هادفتاً العودة لمنزلي سمعته يقول و هو يلف يدهُ حول بعضها.

أيها المزعجحيث تعيش القصص. اكتشف الآن