الحقيقة قابعة في قاع كل كذبة

28 4 2
                                    


#في_مديح_الكراهية
تأليف /خالد خليفة

عودة إلى أدب السجون في رواية سوداوية إستغرقت من عمر الكاتب خالد خليفة 13 عاما لتشهد النور في 422 صفحة تجاهل عامدا ذكر اسم بطلتها في إشارة إلى أن تلك الفتاة مجهولة الإسم لا تمثل شخصا ،بقدر ما تمثل نموذجا نفسيا و فكريا للكراهية المغلفة بطابع إيديولوجي ديني يستمد الحق في قتل الآخر المختلف العاصي سواء من أبناء طائفته أو من أبناء الطوائف الاخرى ما لم يلتزموا بتعاليم الدين !!
ذلك المشهد الذي قد ألفناه في سنوات مضت عن شخصيات نصبت نفسها قضاة وصنفت الناس "هذا فاجر و هذا كافر وهذه سافرة وتلك عاهرة" ..في حالة من الإستعلاء الإيماني الموهوم الذي دفع الكثير من الأدعياء إلى الوقوع في شباك التناقض ما بين الإيمان بتعاليم متشددة و بين رغبات شاذة وأحلام مشوهة تشبه في شذوذها إنحراف فهم راوية القصة للدين و الذي جعلت منه قنبلة موقوتة تبرز النزعة الإيروتيكية لتكون بمثابة مرآة للشذوذ والتطرف الدينيّ ..

لقد نالت هذه الرواية نصيبها الأوفر من إسمها لتقع في براثن الكراهية لدى شريحة واسعة من القراء ممن يعنيهم الشأن السوري فأتباع النظام يَرَوْن فيها هجاء مبالغا فيه لأحداث الثمانينات في حماة و حلب و تجنيا على قادة كان كل همهم إنقاذ الوطن من براثن الجماعات الأصولية ذلك أن الخريطة الإدراكية لكل قارئ تتحكم في فهم معطيات الأحداث فمنا من سيرى المؤلف محاب لجانب دون آخر و منا من سيراه يفيض كراهية لكل تلك الطائفية وينتصر للوطن و الإنسان قبل وبعد كل شيء "
ومهما كانت الآراء أدعوكم "لنقرأ معا" أحداث القصة ولنشهد كيف يمكن للمرأة التي طالما كانت تمثل الخصوبة والحياة أن تتحول إلى رمز عقيم لا ينجب إلا الكراهية في مجتمع إختار المؤلف أن يكون محور الأحداث فيه هو البيئة النسائية وحيث الصراعات الدامية يعلنها رجال و يصدها رجال ..
ويبدأ المشوار بعد إنتقال بطلتنا مجهولة الإسم إلى بيت الجد الذي أصابته لعنة العونسة فتنحاز البطلة بفعل تربيتها الدينية المتشددة إلى خيارالكراهية..
كراهية القمع والظلم و تجييش و تسيس الأفراد لخدمة منظومات ضيقة سواء أكانت تنتمي لأجهزة الدولة أو لجماعتها الدينية التي كان إنسلاخها عنها يتخذ في بعض أوجهه تطرفا لا يقل عن تطرفها في كراهية أعداء الجماعة سابقا فبعض الكراهية كما تزعم تَخَلق معنى للوجود !
والحديث يطول عن هذه الرواية الجدلية التي غاصت في أزقة حلب وأقبية السجون والمعتقلات وتلتقط المشهد السوري بعين الكاميرا من زوايا متعددة فلم تنمط الجلاد لا بل ضربت نماذج متعددة منهم من كان ينادي السجينات ببناتي و منهم من كان يستلذ بأصوات تعذيبهن و رؤية أسمالهن البالية تماماً كما تعددت صور الضباط الذين شاركوا في المجزرة فمنهم من تفنن بالقتل و آخرين أصيبوا بالجنون من هول ما اقترفت أيديهم ومنهم من رفض تنفيذ الأوامر العسكرية فتعرض لمحاكمة عسكرية ،و منهم من لم ير في الأحداث إلا تأدية لواجب وطني وطائفي فلم يشغل نفسه عناء مراجعة ضميره وكأنه آلة قتل وحسب ..
وبعيدا عن سيل الإتهامات التي وجهت للكاتب لإغراق روايته بمشاهد وأحلام جنسية مبالغ فيها فإن ما يؤخذ على الرواية أسلوب السرد بصوت الراوية الأوحد الذي يفرض على القارئ رؤية أحادية للأحداث ويسلب حقه في الإستماع لكل شخصية من الشخصيات دون أن تحشر تلك الراوية أنفها و تفرض منظورها و تحليلها ..
فقد تشعر في الأثناء بكراهية لتلك المصادرة القمعية التي حرمت النص الحوارات التي تعين على سبر خبايا النفس و"ما أخفى امرؤٌ شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه "
ختاما وخلاصة القول نحن نكره "ما نجهله"و إن التقارب و التعايش مع أبناء الطوائف الأخرى يتطلب كسر جليد التنافر و مد يد المصافحة لهم ..
وتبقى القراءة الأدب مرهقة تستنزف طاقة القارئ الشعورية ، لأنها تضعه في مواجهة مع الذات و الضعف الإنساني بكل"مخاوفه و خيباته و آماله و آلامه" ..
وأي نص لا يحرك في النفس دوامة من الإنفعالات و التأملات هو نص لا يعول عليه..

قراءة ماتعه أتمناها لكم

في مديح الكراهية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن