الفصل الثالث

213 10 2
                                    


رأيته يجلس على كرسي بحوار مكتبه وعلى قدمه تجلس فتاة تماما مثلما كان يُجلسني على قدميه حين اكون غاضبه منه يحاول مصالحتى ، رأيتها تجلس تماماً مثلى ليداعبها ويطلب رضاها ، كانت جميلة بل رائعة الجمال بجسدها الممشوق هذا وشعرها الأشقر وبشرتها البيضاء اللامعة ، لاحظت نظراتي لها فسألت بدهشه : من أنتِ ؟!
أردت من كل اعماقي ان اصرخ بها قائله : أنا حبيبته ، انا من يجب أن تكون مكانك ليطلب رضاي وليس أنت ، انا من جئتي ايتها البلهاء لتسرقي منها ماتبقا لها في الحياة .
انتشلني صوت ايهاب وهو يقول اثناء قيامه : انها ملك ابنه عمى يا سارة .
نظر إليّ بعيون لامعه واشار اليها وقال بصوت جامد صارم : وهذه يا ملك سارة خطيبتي .
وقعت جملته علىّ وقع الصاعقة لتحرق قلبي وتتركه رماداً ، وأنا أنظر اليه مدهوشه وعينى تكاد تخرج من محجريهما ، انتظر منه أن يُكذب ماقاله لسانه للتو ، الا انى لم ارى منه سوى الجحود ونظرة عتاب في عينيه لا أدرى ما سببها ، طال الصمت وأنا أسمع تلك الساره تتلو على مسامعى كلمات الترحاب والاستقبال ، وعيناي مثبتتين على وجهه انتظر منه ان يخبرنى بانى انا وحدي هى خطيبته وحبيبته وليس سواى ولكنه ظل جامداً بنظرة العتاب التي تلوح من عيناه ، قلت بصوت يشوبه البكاد ويخرج من بين شفتاي المرتعشين : انت تمزح معى أليس كذلك ؟!
نظر الي تلك السارة وقال بملامحه الصارمة : " انتظريني بالخارج يا ساره فانا اريد ان اتحدث معها بامر هام .
لمحتها تنظر إلي بغضب قبل أن تخرج وتغلق الباب خلفها ، نظرت إليه مجدداً انتظر منه توضيح لما قاله ، لأجده يرمقنى بنفس نظرة العتاب التي تطل من عيناه ، صرخت مرة اخرى بصوت مرتعد : ليس صحيحاً ما يحدث ، أليس كذلك ؟!
ليجيب بصرامة : بلى صحيح يا ملك .
- لا ليس صحيح ، أنت تحبني أنا ، أنا هى من يجب ان تكون خطيبتك وليست هى .
قال بعتاب : أنتِ تقولين هذا بعد فوات الأوان يا ملك ، فسارة الآن خطيبتي وقريباً ستصبح زوجتى وما أعرفه أنكِ أنت السبب في هذا .
- أنا السبب !! ماذا تقول ؟ هل طلبت منك أن تذهب وتخطب غيري ؟!
- لا لم تقولى ، ولكنك طلبت منى أن أكون لكِ ابن عمكِ وفقط ، ألم يكن هذا طلبك ؟
-أنت بالطبع تمزح يا ايهاب ، لم أطلب هذا بمحض ارادتي وانت تدرك هذا جيداً .
- لا يا ملك لقد كنتى جاده في طلبه ، وحينها شعرت بمدى ضآلت مكانتى لديك .
- أنت من أجبرتنى على هذا ، حينما أخبرتنى بأنك على استعداد لتتنازل عن حبي مقابل أن تخلص لعملك ، الم تقل هذا .
صرخ بغضب جعل الخوف ينتابني : كان يجب أن تفهمى أنه تعبير مجازي يا ملك ، مجرد جملة أود أن أوضح لكِ بها أننى لايمكن أن أتخلى عن مبادئي ، كنت أنتظر منكِ ان تتفهمى موقفى ، وتشجعينى على ما أفعله بدلاً من أن تبتعدي عنى  وتطلبين ألا نكون سوى أقرباء ،حسناً إذاً لقد لبيت لكِ طلبك
لمِ تأتين الآن تلوميننى على ما أفعله وأنتِ السبب فيه ؟
قلت وأنا أحاول أن أوقف بكائي بيدي : لقد مات أبي ، وانت الآن تعاقبني لشئ طلبته في لحظة غضب ، بدلاً من تكون أول من يقف بجواري .
قلت جملتى وخرجت دموعي من عينى كالشلالات لا تجد عائقاً امامها ، شعرت بالضعف يدب في قدماي فانهرت علي أقرب مقعد بجوارى ، واجهشت في البكاء .
                      *************************
جثا على ركبتيه امامى وأزاح كفي من على وجهي بحنانه الذي أعرفه ، ومد يده ليزيل دموعي قائلاً : أنا حقاً آسف لوفاة والدك ، لكنى لست قادراً على محو صورتك من مخيلتي وأنتِ تتهميننى بقتله .
سألت مشدوهة : ماذا؟ أنا أتهمك بقتل أبي ؟
نظر إلي متأملا كانه يريد أن يغبر أسوارى ليقول : نعم ، حينما مات وجئت لك في المشفي لتصرخي بوجههى وتطلبي منى أن أرحل عنكِ ولا أريك وجههى مجدداً وعللتي طلبك هذا بأننى قاتل والدك في نظرك .
أخدت أهز رأسي بعصبية نافيه ما يقوله : لا أذكر أي شئ من هذا ، صدقني لم أكن في وعيي حين قلت لك هذا .
ظفر بضيق وقال : أعرف ، لقد قلت ما يدور بعقلك اللاواعي ، فانت ياملك تؤمنين بداخلك أننى سبب موت والدك ، ولا يمكننى أن أكمل معك وانا اعرف أنك تنظرين الي على انني قاتل والدك ، او حتى كنت سبباً في موته .
- لكننى لست أفكر هكذا .
- ملك أرجوكى أخبرينى بصدق ، ألا تشعرين من أعماقك بأننى كنت سبباً من أسباب وفاة والدك ؟ أجيبى بصدق ولا تخشي شيئاً أنا أرجوكى .
نظرت الي عينيه التي لطالما تحلق بي فى عالم آخر ، لارى فيها نظرة الرجاء وأنا أفكر فيما سأقوله فقلت بتردد : أنا أؤمن بأن عمر أبى قد إنتهى ، وموته قضاء وقدر .
اشتدت قبضته على يدي وهو يسال بصرامة : هل كنت سبباً في موته أم لا ؟!
أجبت بتردد أكبر : نعم ، كن..
لم أكمل جملتى حتى وجدته يترك يدي بعصبيه وينهض وهو يزفر قائلا : حسناً إذاً ان كل ماقلته لي في حالة انهيارك هو ما تؤمنين به ، وأنا لا أستطيع أن أكمل معك وأنتِ تعتقدين أننى سبب في موت والدك .
تساءلت باستنكار- أتلقى اللوم علىّ ؟
قال بصرامة وهو ينظر للاتجاه الاخر : أنا لا ألقي اللوم على أحد ، ولكنكِ طلبت شيئاً وانا أنفذه لكِ .
انعقد لسانى وشُل عقلي وانا انظر اليه لا أحرك ساكناً ، الا انى شعرت بجميع الاشياء تدور من حولى والأرض تميد بى ، ولكننى استجمعت قواى فانا لا اريد ان انهار الآن ، طال صمتى وانا انظر اليه لا أقدر على تصديق ما يحدث ، وأن كل شئ بيننا ينهيه هكذا بكل تلك السهولة ، والأدهى من هذا بأنه يلقى اللوم علىّ ، بدد الصمت بقوله : بالاضافه الي اننى خطبت سارة الان ، ولا يمكننى أن أطلب منها الابتعاد وأجرحها هكذا بكل سهولة ، فقد جرحت من قبل وأنا أدرك جيداً كيف يكون وجع الألم الذي يسببه لك الحبيب .
نظرت اليه يأعينى الدامعه ، وشعرب بان هناك من يجثم فوق صدرى يمنع عنى الهواء ، ويكتم أنفاسي ، تجاهلت ذلك الضيق الذي يغزو صدري ، فنهضت من مكانى واتظاهر بالتجلد وقلت بينما يعتصر قلبي ألماً : مبارك لك خطبتك .
ردّ على بابتسامة شاحبة جعلت قلبي يخرج آخر أنفاسه ، فأوليت له ظهرى وتوجهت نحو الباب بخطوات ثقيله وكأن قدماي ترفضان الذهاب ، وبداخلي يتمنى لو ينادي ويخبرني بأنه يتراجع عن كل ما قاله ، وبأنه يحبني أنا وفقط ، لكم اتمنى بأن ينادي باسمى الذي اعشق نغمته من بين شفتيه ، ويفرد لي ذراعيه لأذوب بينهما وأنهل من رحيق دفئه وحنانه ،
فقط لو يناديني ولو لمره ،،،،
"ملك"
تسمرت قدماي في موقعهما ، وشعرت بالحياه تعود لقلبي مره أخرى ، ويطير عقلي فرحاً ، التفت انظر اليه بلهفه وشوق لما سيقوله ، وقلت بصوت مختلج مضطرب : نعم
ليجيب بصرامة " أرجوكى لا تخبري أحداً وخصوصا سارة بما كان بيننا "

الوهم (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن