ذلك الشخص

19 4 4
                                    

هناك بعيدا حيث لا يسمعك احد !، هناك حيث لا تصل الأنظار !، أعيش انا ... أعيش ؟!! لا ادري بصراحة !، ولكنني كتبتها على اية حال !. انا هو ذلك الذي يمر بجانبك في كل صباح دون ان تنتبه لوجوده !، اياك والجزم بأنك لا تعرفني ... صدقني ، انت تعرفني جيدا !، ولا يمر يوما دون ان تراني !!. أجل ، لا تتعجب واسمح لي بالتوضيح ... ارأيت ذلك الشخص الذي يجلس وحيدا على مقعد المنتزه ؟! أو ذلك الذي يقف أمام الحاجز ويلقي بفتات الخبز للأسماك التي تركت البحر بامتدادة وتجمعت بالقرب من المرفأ ؟!، ارأيت ذلك الشخص الذي يقف في الطرف الاخر من الشارع حيث تقف منتظرا الإشارة المرورية ليعبر ؟!، او ذلك الذي يقف خلفك وفي بعض الأحيان امامك في الطابور للحصول على كوب قهوة في مقهى أو لتخليص معاملة في هيئة حكومية ؟!! اجزم بأنك صادفت احدهم ... انا هو كل هؤلاء ... نعم !، لذلك ارجو منك الاستماع لي لأول مرة دون ان تنكرني أو تدعي جهلك بي ... كنت في وقت ما شخصا عاديا تلتقطه الاعين وتشعر بوجوده القلوب ... انا لم اولد هكذا !!، في مرحلة من حياتي كنت مثلك تماما .. انسان لي وجودي وكياني !، اجل كانت لي ذات تحلم وتتأمل وتحب وتعشق !، كانت لدي حبيبة .. اجل !، كانت جميلة بعيون خضراء وشعر عسلي وابتسامة خلابة تشفي اكثر الأرواح سقما ... هذا الجمود على وجهي وهذه التعابير التي لا تليق بأنسان مازالت تسكنه روح !... لم تكن موجودة سابقا ... ولكنها الاحزان ؟! أجل .. الاحزان التي عصفت بي واحدة تلو الأخرى .. طبقات وطبقات تراكمت فوق بعضها حتى حجبت عني النور وفرقت بيني وبين الاصوات فلم اعد اسمعها .. ربما تتساؤل عن الاحزان الآن .. يؤسفني ان اخبرك بأنها احزان ليست بأحزان ... آه !!، بدأ الجنون اذا ... دعني اخبرك عن الجنون ان كنت تظن بأنك تعرف الجنون ... الجنون هو او تستيقظ على صوت المدافع وصراخ الأقارب ... ان تمزق حنجرتك بصراخك ليس خوفا على حياتك ولا حزنا على موت فرد من عائلتك او رؤية اشلاءه مبعثرة امامك !! بل تصرخ لأن عقلك المسكين لم يحتمل هول المشهد امامه .. الجنون هو ان تفقد عزيزا وتضطر انت للعيش بداله ؟!!. الجنون ان تعيش بفراغ تام تسبح في فضاء من العدم لا ترى فيه احد ويضمر لسانك من قلة الحديث .. الجنون ان تقضي يومك محدقا في عقارب الساعة آملا ان ينتهي يومك وتخلد للنوم لعل عذابك يتوقف لكم من الساعات التي ستقضيها نائما ؟!!، الجنون ان تعيش في خيمة .. تنتظر وجبة .. تتأمل صدقة .. فيما تمسح دمعة !!، الجنون ان ينهشك البرد وهناك سبعة مليارات نسمة ينظرون اليك دون ان يحركوا ساكنا وكأنهم اصناما عندما يتعلق الامر بك .. هذه هي الاحزان التي جعلتني ما انا عليه الآن .. لا اظنك جربتها .. هي احزان يفصلها خيط رفيع عن الجنون .. بل هي جنون يفصله خيط رفيع عن الاحزان ... اظنك عرفت من انا الآن ... انا ذلك الوحيد !، ذلك اللاجئ ، اليتيم ، الفقير ، الضعيف .. انا كل هؤلاء ....
هناك وجه آخر للبشرية انا امثله ... انا شاهد عليه .. وجه قبيح لا يفكر إلا في نفسه .. وجه لا يصنف إلا مع فئة الوحوش .. كلا !، حتى الوحوش تملك شيئا من الرحمة تجاه أولادها .. انا هو مثال حي على ما وصلنا إليه .. انا .. انا بكل بساطة .... وجدت لاذكرك بما أصبحت عليه .. انا هنا لكي أحاول استفزاز تلك الذرة الإنسانية التي مازالت مشتعلة في داخلك !، قد اموت ، قد اتلاشى قبل ان يحدث ما اتمناه !، ولكنني لست قلقا فهناك غيري الكثير من البؤساء .. هناك غيري الكثير ممن سيحمل الشعلة عندما تقع من يدي .. سوف يواصل السير بلا كلل او ملل حتى يأتي ذلك اليوم الذي يرى فيه !، ويشعر البقية بوجوده ثم يسرعوا لنجدته ...

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: May 20, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

ذلك الشخص !!..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن