هأنا جالس في شرفة البيت، ألوح بيدي لهذا و ذاك لعل أحدهم يلمحني و يرد علي سلامي. كيف هذا وهم لا يلحظون وجودي، هل سبق لك و ان رايت أحدهم يمشي محدقا في أشرفة البيوت ؟
اعذروني، لم أعرفكم بنفسي. مرحبا، اسمي أيكوت، أيكوت كوشوفالي، عمري 19 سنة، أقطن في حي كوشوفا الذي لاشك أنكم سمعتم عنه. إذا لم تعرفوه فلا بأس إسألوني ماشئتم أستطيع أن أخبركم عنه ما شئتم، فأنا أكاد لا أفارق شرفتي على مدار الساعة. لحظة، لحظة، هاهو عمي ادريس يمر من زقاقنا :"عم عم عمي ادررريس،.. عم عم عم عمي ادريييسس،.. انا انا هنا،.. مرح مرحببا عمي ادريسس..". لقد ذهب، يبدو انه لم يسمع ندائي، لابأس سأحاول غدا مجددا، فهو يمر كل يوم من هنا لاصطحاب احفاده من المدرسة إلى البيت، مرة على الساعة الثالثة و النصف و مرة أخرى بعدها بعشرين دقيقة. أعرفه جيدا، فدائما ما تحدثني عنه أمي، فهكذا أمضي وقتي الذي لا يكاد يمر في زوايا هذا البيت، أحفظ ملامحه جيدا فهي تكتب و بدقة عمره الذي قضاه في هذا الحي.
لعلكم تتساؤلون لماذا لا ابرح مكاني، لا بأس بذلك، دعوني أخبركم إذن ؛ تم تشخيصي بعد ولادتي ببضع اشهر بمتلازمة فوفيل، و هو ضرر يمس البصلة السيسائية مسؤول عن شلل نصفي يمس بعض اطراف جسدي. لا عليكم، لا تحزنوا من اجلي أرجوكم، فآساكم هذا ما سجنني في البيت و ليس مرضي. نظرات تأسفكم أثقلت كاهل أمي، همساتكم كلما رأيتموني ترن أصداءها في عقل امي، أما شفقتكم تفطر قلبها الحنون و تملأ عيناها دموعا. لو كان الامر على حساب مشاعري، أدوس على كل هذه و لا أبالي، لكن ماما...
كل ما تريده هو القليل من العزة، هو احترامكم لي وتقديركم لقوة لا تروها في، قوة جعلتني اهزم مرضي لأشواط عدة، هي ترى هذه القوة، لكن كل ماترونه انتم هو روح اسكنها الله صخرة، جمادا لا يقوى على الحراك و لا الكلام، عالة على المجتمع، ابتلاء أمه،....
كفى !
لا أقول انكم تؤذونني عن قصد، فأنا أعلم أنكم تتحسرون على حالي. لكن هناك ماتجهلونه، امتحاني الدنيوي أستطيع أن أراه، خصمي في الحياة له اسم و شكل، لذا فحالي يكاد لايقارن بوضعكم المزري. أجل إنه مزر، من منكم يضع جبينه على الأرض دون أن يطلب الصبر والقوة من الخالق السميع ؟ هناك من ابتلي بحاجة إلى المال، و آخر بحاجة إلى لطف الحال، لكن كلكم تخرجون إلى الشارع بابتسامة عريضة على محياكم و كأنكم في أحسن حال، و ما إن تروني حتى تبدوا تحسركم و كأني وحدي من يقاوم القدر على كرسي من حديد، و نسيتم انكم استسلمتم لحالكم و انتم في خير حال.
كفى !
هل تودون مساعدتي ؟ حسنا اليكم ما يمكنكم تقديمهم لي.
في بادئ الأمر، كفوا عن النظر إلى عوزي الصحي كلعنة أصبت بها، و بدلا من ذلك أنظروا لما أحمله من أمل، عزيمة و إصرار، حينها ستشعرون بقدرتكم على التغلب على أكبر الصعاب دون أن يهزكم حجم ما ينتظركم. إذا صادفتم أمي في زقاق ما، لا تجعلوا مني موضوع حديثكم، صحيح أنها تقاوم في صمت و لكن من حقها أن تهتم بباقي شؤون حياتها كما أي امرأة. مازحوها، لاطفوها، أشعروها أن الحياة لا تقف على مرضي. إن كان من بينكم طالب أو معلم، فمتلازمتي لم تمس صحتي العقلية، لا أمانع زيارتكم لي بين الفينة و الاخرى و تعلم مهارات و معارف جديدة.**************************************
أنت تقرأ
أيكوت Aykoute
Teen Fictionوحيد فوق الكرسي، أسترجع الذكريات وأغازل النجوم، لم أنحني للحياة و لم أعلن يأسي، قدري الانعزال فقررت إلى شرفتي اللجوء... تعالوا واكتشفوا قصتي وكونوا من بين الشخوص...