زهرة

26 3 2
                                    

الأثنين

استيقظت على صوت المنبه الذي انطلق في تمام الساعة السابعة صباحا كالمعتاد. إنها بداية يوم ممل أخر.

أغلقته ثم قمت بالتمدد على فراشي محاولا التخلص من آثار النوم. بعد مرور دقيقة, قررت النهوض حتى لا أتأخرعلى المحاضرة الهامة التي اعتدت حضورها يوم الأثنين.

علم الاجتماع ليس بالضبط المجال الذي يحلم بدراسته الطالب المصري ; فرص العمل قليلة ولكن لم يكن لدي خيارات أخرى. لم أكن مهتما بالتفوق في الدراسة وكان على الرضا بما حصلت عليه فلم يكن بالإمكان أفضل مما كان. ربما بقليل من الحظ أستطيع الحصول على وظيفة براتب يكفي لحياة من الأساسيات.

قمت بالسير نحو الشرفة, فتحتها وسمحت لضوء الشمس بالدخول للغرفة. أحب مشاهدة المارة بالشارع كل صباح بعد الاستيقاظ مباشرة لتصفية ذهني قبل بداية اليوم. بدأت بالنظر يمينا و يسارا و لاحظت (زهرة) ابنة جيراننا ذات السبعة أعوام تسير نحو مدرستها و أمها ممسكة بها.

استمررت في النظر إليهما لبضع ثوان وقبل أن أحول نظري لمشاهدة أناس أخرين في اتجاه آخر, لاحظت (زهرة) وقد بدأت تجري نحو رقعة من العشب المجاور لها.

"انظري أمي, هل ترين هذه الزهرة الزرقاء الجميلة؟" قالتها (زهرة) في سعادة بالغة

"نعم يا حبيبتي أراها. من الغريب أن تنمو زهرة مثلها هنا" ردت الأم

"إنها زهرة مثلي تماما" أوضحت (زهرة)

ابتسمت لبراءة الطفلة الصغيرة

"نعم حبيبتي و هي أيضا في مثل جمالك ولكن علينا الذهاب الآن حتى لا تتأخرين عن المدرسة"

انضمت (زهرة) لأمها و للذهاب إلى المدرسة. أنا أيضا على الاستعداد للذهاب إلى كليتي.

الثلاثاء

في اليوم التالي, استمررت في اتباع عاداتي الصباحية و مع بداية دخولي للشرفة استطعت تمييز صوت (زهرة) وهي تغني. نظرت في اتجاه الصوت و رأيتها تغني بالفعل للزهرة الزرقاء. وقفت أمها بجوارها تشاهدها و تبتسم حينا وتراقب الطريق حينا أخرى.

نظرت إلى ساعتي ولاحظت أن الوقت مبكرا قليلا عن ميعاد المدرسة المعتاد. أظن أن الصغيرة أرادت من أمها أن تخرجا مبكرا لتحظى ببضع دقائق مع زهرتها.

مرت دقيقتان و طلبت الأم من ابنتها التوقف عن الغناء لتلحقا بميعاد المدرسة. أشارت الطفلة للزهرة مودعة لها و أرسلت لها قبلة.

الأربعاء

لم يكن اليوم التالي مختلفا كثيرا عن سابقيه. استيقظت على (زهرة) و هي ترعى زهرتها الزرقاء. هذه المرة كانت تلتقط بعض المخلفات التي ألقاها أحدهم و أحاطت بالزهرة الجميلة. التقطت بحرص جميع الأوراق و المهملات مستخدمة منديلها الورقى و ألقت بهم جميعا في كيس بلاستيكي حصلت عليه من أمها.

عندما أنتهت, ألقت بالكيس في صندوق المهملات القريب وذهبت للزهرة و قالت "ها قد عدتي لجمالك السابق". استدعتها أمها للحاق بالمدرسة فودعت (زهرة) الزهرة و لحقت بأمها.

الأيام اللاحقة على مدار الأسبوع كانت مماثلة تماما. (زهرة) تعتني بالزهرة و تحرص على التقاط المهملات من حولها و أن ترويها بالماء. تحرص دوما على أن تصلح ما يستمر في إفساده المارة و الأطفال التي تلعب في الجوار و السيارات المسرعة لا يلقون بالا لزهرة في الطريق.

تحرص على أن تبقى الزهرة و تتحدى الظروف الصعبة التي تواجهها في طريق مزدحم في القاهرة الملوثة. الطفلة الصغيرة لم تفوت يوما و لم تفشل أبدا في أن تجعلني أبتسم من براءتها كل صباح.

السبت

إنها نهاية الأسبوع أخيرا. استيقظت متأخرا كعادتي لأخرج بعد الظهيرة. أتسائل إن كانت قامت (زهرة) بإجبار أمها على زيارة الزهرة بالرغم من عدم وجود دراسة؟ لا يهم الآن. لدي ما هو أهم للقيام به ولم يكن هناك وقت لأشعة الشمس على أي حال.

إن العطلات الأسبوعية هي الفرصة الوحيدة التي أستطيع فيها قضاء الوقت مع حبيبتي (سارة). يعيش كل منا في مدينة مختلفة و ندرس في كليات مختلفة. لذلك قررنا أن نتلاقى كل عطلة لنتأكد من ألا يموت حبنا الذي بدأ في المدرسة الثانوية. كل عطلة أزورها و كل عطلة أحضر لها معي هدية كعلامة على أن حبنا باق رغم الفراق. حتى عندما لا أملك المال –وقد كان يحدث هذا أغلب الوقت- دائما ما كنت أجد ما أهديها إياه.

هل سأستطيع شراء هدية لها اليوم يا ترى؟ يجب على الذهاب حتى لا أتأخر.

الأثنين

أسبوع جديد و نفس العادات القديمة.

أغلقت المنبه و بدأت بالسير متكاسلا نحو الشرفة كعادتي عندما سمعت صراخ و بكاء طفلة صغيرة. أسرعت لأرى ما يحدث و استوقفتني الكلمات التي سمعتها.

"زهرتي! لقد اختفت! أخذها أحدهم!"

"لماذا يقتلها أحدهم هكذا؟ لماذا يا أمي؟"

توقفت في مكاني و تخلت يداي عن مقبض باب الشرفة.

عدت إلى الفراش و جلست و أنا استمع لبكاء (زهرة) الصغيرة و مواساة أمها لها.

أتسائل إن كانت ستعرف يوما ما من فعل هذا؟

🎉 لقد انتهيت من قراءة زهرة 🎉
زهرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن