منزل جدّي العتيق ينتصب بشموخ و كبرياء علي أطراف إحدي القري النائية , وتنتصب أمامه من الجهة الخلفيّة له المدرسة الثانويّة الوحيدة بالقرية , حيث يضّطر الطلاب من البلدان المُجاورة إلي الإلتحاق بتلك المدرسة و يرجع ذلك إلي قلة عدد المدارس في القري .. علي أية حال كنا نحن _ أنا و أقاربي _ أطفالا صغارًا حينما كنا نقف أمام الدّار و نلوّح إلي جاراتنا في المنزل المُجاور وقت ذهابهن إلي تلك المدرسة , وفي لحظات لهونا و مرحنا كنا نمرّ من أمام بوابة المدرسة و نلقي نظرة إلي الداخل من خلال البوّابة ذات الثقوب و الفتحات , كم كانت مُنظمة من الداخل إلي درجة كنا نتمني معها أن ندخلها في يوم ما , بينما علي الجانب الآخر حينما يحل الظلام و يُكشر ليل الشتاء الطويل عن أنيابه كانت تبدأ المُعاناة المُرعبة و التخيُلات و القصص الغريبة حول تلك المدرسة , فعندما كنا نمر بجانب المدرسة ليلا كنا نسمع أصواتا غريبة صادرة من الداخل , أو هكذا صُوّر لنا , أحيانا كنا نري أضواء الفصول تغلق و تضاء من تلقاء نفسها , و أوقاتا أخري كانت هناك أوراقا ترمي من النوافذ ليلا عندما لا يكون هناك أحد بالدّاخل , ممّا دفع جميع أطفال العائلة إلي إبداع قصص غريبة حول تلك المدرسة , من يقول أنها مسكونة و من يقول أن هناك أشخاصًا حُبسوا بداخلها , و من يقول أنها بُنيت علي أرض مسكونة , و كل يُحاول إضافة إطراء ظريف من عنده .. كل ذلك كان لمُجرّد تسليتنا , حين كانت العائلة الكبيرة تتجمّع في الأعياد و المُناسبات و في بعض الأيام العاديّة الأخري , كنا نلتف حول بعضنا البعض و نجلس بعيدا عن أعيُن الكبار , و يبدأ كل منا في سرد حكاية وهمية خياليّة عن تلك المدرسة , إلي أن أتي ذلك اليوم الذي حدث فيه شئ عجيب حقا و الذي أخذنا فيه أكثر القرارات حُمقا في حياتنا , كنا نمُرّ بجانب المدرسة عائدين من عند متجر الحلوي , و كان عددنا سبعة و كان أكبرنا يبلغ من العُمر الثالثة عشرة , حين قرّر أكبرنا أن نلقي نظرة علي المدرسة من البوابة فذهبنا و لكن في حقيقة الأمر كنا نشعر بالخوف و كان الجو باردا , و عندما إستند أحدنا علي البوّابة كانت المُفآجأة هي أن البوابة ليست مُغلقة تبادلنا نظرات متوترة و حائرة بعدها غمز لنا أكبر طفل فينا بعينيه , لم نفهم ما يُريده فطلب منا أن ندخل المدرسة
_ لا هل جُننت ؟؟
_ لا بل إنها ستكون مُغامرة صغيرة لطيفة فحسب
_ إذا رآنا أحد فسوف .............
_ لن يرانا أحد جميعنا نعلم أنه ما من أحد يكون هنا ليلا و لا حتي حارس
و بعد العديد من المُحايلات منه لندخل معه وافقنا علي طلبه في النهاية و دخلنا , كانت مُظلمة ما من ضوء سوي ذلك المُنبعث من عواميد الإضاءة الليلية , وقتها كانت الساعة التاسعة مساء , سرنا بضعة خطوات في الفناء الواسع الخالي , و تلفتنا حولنا بحذر و قلق , بعدها أخبرناه برغبتنا في الإنصراف الآن
أنت تقرأ
عندَمَا يَحلّ الليل
Terrorأري مِصباحًا يَنثر ذرَّاتٍ من الضيّ الأصفر فتبدو بوضوح علي مَرمَي البصر ... تتضامَن الأشباح الرَّمَاديَّة المُتحَرِّكة مع سَوَاد الليل ... و تنبَعِث أرَاجيز الشتاء من آخر دِهليز المساء .... لم يُثِر إنتباهي سِوَي شئ واحد ... مُنذ متي و تلك الأزِقَّة...