رواية قديمة أعدت نشرها بعد التعديل عليها
.
.
.لا تنسوا !
قبل القراءة
تصويت بنجمة —☆
.
جالس على ضفة البحر، الأرض الرملية تحته تملأ قلبه راحة و بدنه استرخاءً، لقد شاهد غروب الشمس قبل مدة، ولم يبدو على وجهه الإعجاب لسحر المنظر الكهرماني الاسر.
الليل خيم عليه، واضح أنه إكتفى من الجلوس،
مع هذا لا يريد المغادرة ... لا يستطيع...نسيم البحر البارد كان يهب على بدنه ويخترق اسماله الرقيقة، قميصه الأبيض خفيف بالكاد يحافظ على حرارة جسده من الزوال، ما يبقي رجليه دافئة هو سرواله العريض الأزرق.
أخيرا حرك يديه المتجمدة وراح يفركها ببعضها، محاولة يائسة لتجميع الدفئ المتسرب... يعلم في أعماقه أنه لو أراد تجنب البرد حقاً لغادر المكان إلى حيث منزله متمتعاً بقدح شاي ساخن أمام المدفاة، بدلاً عن التقوقع أمام البحر ليلاً في عِزّ ديسمبر !
ربما حتى هو لا يدري لما يفعل هذا ؟ فلو كان عالماً لظن بنفسه الجنون لوضعه العجيب هذا ...
تحركت خصلات شعره البُنّية مموجة الأطراف أثر حركته المفاجِئة، نهض سريعًا كما الملدوغ من أفعى! ثم توجه بعيداً عن ضفة البحر إلى البحر نفسه ُ، هل يحاول الانتحار؟! كيف آلت الأمور به إلى هذا الحد ؟ هل الموت الخيار الوحيد المتبقي ...؟
تقدم حيث الشاطئ، المياه تجري ذهاباً و إيابا، تتخلل أصابع قدميه العارية حبات الرمل الباردة مع مياه البحر، هكذا وقف ساكناً امام سكون الليل، تلون محيطه بالسواد، حتى شعر أن البحر هذا ما هو إلا ظهر حوت هائل ممتد للأبد...
لو تقدم الى الأمام خطوة واحدة لسحبه المد العالي بعيداً! هو مدرك لهذا، فها هو يتراجع منسحبا إلى نفس مكانه السابق، يبدو أنه ينتظر أحدا؛ قلقه قد ظهر للناظر الآن، مقطباً حاجبيه البُنّية و عينيه تلمع في الظلام على وشك البكاء، جسده نحيل البنية يرتجف بقوة، مكتفاً يديه إلى صدره ظاماً رجليه واضعاً رأسه على ركبتيّه، بدأ بالبكاء، كما المناجي المذنب، يقول كلمات غريبة بسبب شهقاته، من الأكيد إنها كانت كلمات رجاء وطلب المغفرة ...
ظل على حاله لما يقارب الساعة، يلتفت بين الحين والآخر ثم يرجع رأسه حيث ركبتيّه، ربما قرر أخيرا أن عليه الرجوع إلى بيته، إنه منتصف الليل و البرد إشتدت وطأته، سحب نفسه ناهضاً بتثاقل، يمسح وجهه بكم قميصه وقد إعتلت وجنتيه حمرة خفيفة، أنفه الحاد محمر كما حال عينيه المحتقنة، مع هذا ...
كان شكله يستحق الاطراء، وسيم، ووحيد، مثل لوحة بورتريه، في منزل مهجور.بخطوات بطيئة سار طريقه، يضم جذعه بذراعيّه، مقوس الظهر كالعجائز، لا يدع لشبابه أثر، يقتله ...
الشوارع مضاءة بسبب ما تسلل إليها من اضواء المحلات، المارة يخرج البخار من أفواههم وهم يتكلمون و يضحكون، شعر بالوحدة، الحنين، الغضب ؛ هو وحيد بعد أن ذهب شقيقه الكبير...
وصل إلى منزله بعد ساعتين من المشي والرثاء الداخلي...
منزله بسيط مثله، طابق واحد مع حديقة صغيرة، الأضواء مغلقة كالعادة، دخل منزله ثم قام بفتح الإضاءة، ممر ضيق خشبي الجدران، معلق عليه رسومات قديمة، خزانة الأحذية اخذت مكانا جانب الباب، لم يوجد داخلها سوى حذاء واحد كان قد نسيه وخرج حافيا...
دخل إلى الصالة الواسعة، الأريكة العسلية في المنتصف يقابلها تلفاز مليء بالغبار، الطاولة الصغيرة في منتصف المسافة بينهما، النافذة مقابل التلفاز مسدولة الستائر، تقدم أكثر ناحية السلم الخشبي، الأرض تصدر أصوات مع كل خطوة، أخذ نفسا عميقاً، وهو واقف أمام باب حجرته... بعدها فتحه ثم دخل، سرير صغير ، مكتبة ، نافذة كبيرة مع شرفة صغيرة، غرفته لم تكن سيئة، كانت جميلة ببساطتها.
قام بتشغيل المدفاة، ثم غمر نفسه داخل سريره
عندما كان بين الواقع و عالم الأحلام قبل أن يتلاشى وعيه نطق بضعف وانكسار
: وعدني ... لكنه لم يأتي اليوم أيضاً...هكذا قد سلبت روحه غاطاً في نوم عميق، فما فعله طيلة اليوم كان الجلوس على الشاطئ... ينظر شيئا ربما لن يأتي
هذا ما كان يفعله لخمس سنوات.
أنت تقرأ
إنتظار أزرق
Romanceعندما كان بين الواقع وعالم الأحلام، قبل أن يتلاشى وعيه، همس قائلا بنبرة ضعيفة منكسرة : وعدني ... لكنه لم يأتي اليوم أيضاً... قصة كفاحه ضد الإنتظار الكئيب الأزرق. بدأت في 2020/8/1 انتهت في 2021/12/1 جاري إعادة النشر