P : 2 .

348 47 232
                                    

~

"ما بي أراك سعيدا هكذا يا بني؟"
سألت والدة سيك ابنها الشاب الذي لم يتوقف عن الدمدمة طوال فترة اعداده لقهوته الصباحية .

عادة كان يجر قدميه و ينسى قول صباح الخير في أغلب الأوقات ، يلجئ إلى السكوت لانعدام مواضيع الحديث وكل ما هو جديد .

"لدي حفلة نهاية الأسبوع"
أجاب باختصار يبتسم ببلاهة ، يرمق قهوته ببعض من السعادة .

أومئت له والدته تراه يأخذ كوبه الورقي فحقيبته و يخرج خارجا . تعلم بأنه يهرب من البيت بعيدا عن كل الهموم التي يحملها .

أجهشت بالبكاء تشعر بالشفقة على عائلتها ، ترى المشاكل قد استوطنت جوهرها فصار ابنها يخرج هاربا من كل شيئ و زوجها يواصل افساد كل شيئ .

~

"صباحك جميل يا صديق"
تكلم سيك الواقف تماما أمام كراش ، يصافحه ثم يجلس بجانبه على قارعة الطريق أسفل الظل ، يتشاطران جلسة فطور الصباح .

"أرى بأنك بمزاج جيد ، أبسبب حفلة يوم غد؟"
تحدث كراش يرمق صاحبه بابتسامة ، هو سعيد لأن سيك هكذا اليوم .

لطالما كان سيك منطفئا بدون آمال ولا أحلام . يعيش لأنه لا يزال باستطاعته ذلك .. سجائر ، نظرة خاوية من كل أنواع المشاعر ، أنفاس عميقة و أنظار نحو الأرض لم تجد في السماء سعادة كما ادعى الكثير .

أومئ سيك يرتشف آخر قطرات مشروبه . يتلاعب بكأسه يحاول جعله متزنا على أصابعه .

"حسنا ، ما الذي تود فعله ؟"
سأل كراش بعدما انهى عصيره ، يواصل النظر الى صاحبه الذي لا تبرح عيناه الحملقة في الأرض .

"لدي حفلة نهاية الأسبوع غدا"

"لا ، أقصد اليوم!"

"سأنتظر حفلة نهاية الأسبوع غدا"

"و ما الذي تنوي فعله بعد 'حفلة نهاية الأسبوع غدا' ؟"

"سأتذكر أحداثها"

"و ما بعد ذلك ؟"

"سأنتظر على الأرجح حفلة أخرى "

سكت كراش قليلا مندهشا من الإجابة التي قد تكون يائسة ، لكن تلفظ صديقه بها كان في غاية البساطة ، و كأن ذلك كل ما يحويه عقله .  "حالك ميؤوس يا رجل" ضحك يضرب بخفة ظهر سيك عدة مرات . يشعر بحزن مديد على الحال الذي آل إليه صاحبه ، جسد شاب يحمل روح شخص عجوز .

لحظات مرت تقاسما فيها سكوتا مريحا ، كل يسهب نظره إلى اللاشيئ .

فكرة ما احتجزت بخاطر كراش ، يريد البوح بها حقا .. لذلك ، تحمحم قليلا يخرج سيك من شروده ، يريد بدأ حديث يميل بعض الشيئ إلى الجدية .

"تريد هذه الحفلة لأنك تود رؤية جاسمن .. صحيح؟"

تلاوة تلك الكلمات على مسمع سيك جعله يغمض عينيه قليلا . ضحك بخفة ساخرا :"أنت تعرفني حقا يا صديقي ، و تعرف كم أنا مثير للشفقة ."

مد كراش يده يفرك بها خصلات سيك ، لتنهي مطافها محاطة به . كأنه بذلك يحاول التخفيف عليه .. يحاول جعله يتكلم لعله سيحمل بعضا مما أثقل قلبه .

"لا بأس سيك ، أعلم بالفعل مشاعرك لها . هي الشخص الوحيد التي وجهت لها تلك النظرات المهتمة ."
همس كراش يواصل التمسيد على صديقه بعشوائية ، كان قريبا كفاية ليسمع الضجيج الذي أحدثه بدواخل الآخر .

"مشاعري العقيمة هذه لن تغير شيئا .. تعلم بأن جاسمن لدابين و دابين لجاسمن ، و علاقتهما قد وصلت إلى عمق مجنون حقا . سأكون فقط بموضع ذلك الصديق الذي تنتهي مواضيع الحديث برفقته بسرعة .. هكذا فقط"
تمتم سيك و ابتسامته لا تزال محفورة على شفتيه ، لم تحمل أيا من معاني السعادة بالفعل .

لكنه..كان بشكل أو بآخر مكتفيا بنصيبه من هذه الأشياء الناقصة ، فاقدا الرغبة لإصلاح أي شيئ .

كراش الوحيد في العالم الذي امتلكه و كان قد تعدى مراحل الكمال بالنسبة له ، صديق يستمع إلى أحاديثه الفارغة و يحب شخصيته رغم فقدانها لمعظم مميزاتها للأسف . صديق عوضه عن ضعف أمه و تجبر والده .

صديق غاص معه إلى الفراغ العظيم بروحه تائها برفقته بمتاهات لا مخارج لها .

قد يلجئ الكثير في وقته إلى الإنتحار ، لكن سيك كان شخصا مختلفا عن ذلك .

كان شخصا مقتنعا بما يملك ، رغم أنه يفقد الكثير بعجز منه .
شخصا ناقصا ولا يريد فعل شيئ حيال ذلك . 
شخصا يحمل روحا هرمة تبحث عن الراحة فقط .

سيك ، كثير النوم صاحب العلامات العالية . منعدم الأحلام كثير التدخين . محب الحفلات ، و ذا المشاعر العقيمة بطيش منه .

"كراش ، لا أعلم كيفية صياغة الكلمات جيدا . لكنك تعرفني و تعرف مدى إمتناني لك دائما . تعال نتمشى بالأنحاء و لنتفادى بيتنا حتى لا نلتقي بوالدي ، و كذا بيت جارنا : كلبه عضني بالأمس .. دعنا و كعادتنا نتبادل حديثنا الفارغ هنا و هناك و نتحدث عن الأمور العادية ككل مرة نقطع تلك الطريق الطويلة . كن دائما إلى جانبي فروحي ضائعة بما فيها الكفاية ولا أرى كيف يمكنها أن تتوه أكثر من هذا .

مزاجي اليوم بحالة جيدة على غير العادة ، لذا سأشتري لك عصيرا على حسابي . تعلم .. لدينا حفلة غدا نهاية الأسبوع .."

~

تمت☁.

06 - 09 - 2020✅.

فكرة جد بسيطة عن يوميات الشاب 'سيك' .
لا تحمل في طياتها الكثير من الأحداث ، لكنني حاولت وصف بعض من الأحاسيس التي يمر بها بعضنا .

— Remote .

sik-k | Party | حفلة .حيث تعيش القصص. اكتشف الآن