كفكفت "أنچيليا" تلكَ الدموع الحارقة التي تمردت عليها وسحبت ماء أنفها في محاولة باهتة أن تستجمع قواها، بينما تحاول أن تساند ذاتها لتقف ممسكة بمقبض غرفة "فيليب"، الهدوء يعم المكان مسببًا وحشة مؤلمة..
ينساب إلى مسامعها صوت تلك الهمهمات والشهقات من الغرفة السفلية.
فبعد وفاة "فيليب" ودفنه تهافت الأقارب والمعارف على منزل "أنچيليا" ليخففوا عنها.
أتواسوا أم على فقدان طفلها؟
نعم هو طفلها حتى وإن أصبح في السبعين من عمره سيظل طفلها المدلل، قطعة من روحها.
كان طفلها الوحيد، السبب الأول والأقوى لبقائها على قيد الحياة حتى الآن، سبب شعورها بالفخر حينما تستيقظ كل يوم وتلتقط أنفاسها الأولى ثم تتذكر أن لديها "فيليب" فيغزو الأمان قلبها.
لكن أمانها رحل!
رحل بعد أن ترك لها من الذكريات ما يطيب لها ليخلد ذكراه في كل إنش بمنزلها، وضحكاته على طاولة الإفطار في الشرفة، وابتسامته التي تبعث في روحها سكينة، وعناقه وآه يا إلهي من عناقه الذي كان يمتص كل ما هو مؤلم.
دخلت غرفته فاجتاح صدرها شعورًا بالفراغ ينهش قلبها، تريد أن تلقي بنفسها بين ضلوعه فهو الوحيد الذي يمكنه أن يحتوي ألمها ولكن أين هو الآن؟
تحجرت الدموع في مقلتيها وارتعشت أطرافها منذرة بانهيار قناع الصلابة الذي يتآكل حتى التهشم كل ما حاولت أن تتماسك.
.....
_ "فيليب الكسول أتزال نائما حتى الآن؟"
قالتها "أنچيليا" متصنعة الغضب وهيَ تضع يدها على خصرها بينما تمسك ملعقة طعام باليد الأخرى.
_ "أمي! بحقك ليس كل يوم! "
قالها "فيليب" متأفأفًا بينما همَّ بوضع الوسادة على رأسه، إلا أن "أنچيليا" أمسكت بإحدى قدميه لتشدها بأقصى قوة لديها لينزلق "فيليب" من على السرير لتنفجر "أنجيليا" مقهقهةً حتى أنها جلست على الأرض من فرط الضحك.
_ "أنت ثقيل للغاية ،تحتاج لحمية شديدة حتى تنحف قليلًا"
قضب "فيليب" حاجبيه فى انزعاج بينما همَّ بالوقوف وهوَ يمد يدهُ ليبعثر شعره قائلًا بانزعاج:
"أمى توقفى عن أفعالك هذه ،أصبحتُ فى الثانية والعشرين من عمري، لم أعد طفلًا وأنتٍ لم تعودى شابة
ارتفع حاجبا "أنچيليا" في اندهاش لتردف بصدمة مصطنعة:"تحدث عن نفسك عزيزي، فأنا لا أزال في ريعان شبابى، تقدم الكثيرون لخطبتي، لكنني رفضتُ من أجلكَ أيها الأخرق"
ثم نفضت ذلكَ الغبار الوهمي من على كتفيها محركة شعرها بغرور.
أنت تقرأ
مَعْزُوفةُ الضَيَاعِ// One Shot
Short Storyلقد خُلِقتُ في عالم لم يحبني يومًا كتابة مشتركة بين ثلاثة.