بدأنا صباح اليوم التالي رحلتنا باتجاه باريس , و قال لي بوارو بكآبة :
- الأربعة الكبار يدفعونني إلى العمل دفعا , أصعد و أنزل في كل مكان مثل صديقنا القديم صائد الثعالبكان يقصد جيرود أكثر رجال الأمن شهرة في فرنسا و الذي قابله أكثر من مرة , فقلت :
- ربما تقابله في باريس !تجهم وجه بوارو ثم قال :
- أرجو الله خالصا ألا أنعم برؤيته , فأنا لم أكن على وفاق مع ذلك الرجل و هو لا يحبني !
- و لكن مهمتك يا بوارو شاقة إذ تبحث عن رجل إنكليزي مجهول مضى على اختفائه نحو شهرين
- بالتأكيد يا صديقي , إنها مهمة صعبة جدا ! لكنك لا تعرف جيدا أن بوارو رجل يعشق المغامرة و يهوى الصعاب و يستمتع بحلها !
- هل تظن أن الأربعة الكبار هم الذين اختطفوه ؟
- نعمكان ضروريا أن نزور الأماكن و نتأكد من المعلومات و التحقيقات القديمة , لكننا لم نستطع الزيادة على ما أخبرتنا به مدام هاليدي
بوارو التقى الخبير بورجونوا مطولا من أجل معرفة أي شيء عن برنامج هاليدي لقضاء ذاك المساء المشؤوم لكن دون جدوىالمحطة الثانية هي مدام أوليفير ..
كان المكان مثيرا , شعرت بإحساس غريب يسيطر علي و نحن نصعد عتبات قصرها الجميل في باسي , و قد أصابني ذهول أن امرأة تصل إلى هذا الحد البعيد من العلوم البحتة , كنت أحسب أن هذا الميدان حكر على الرجال , و أن هذا الإنجاز العلمي لا يتقنه إلا عقول الرجالفتح الباب خادم فتى صغير لم يتجاوز السابعة عشر فذكرت صورة مساعد الكاهن من طريقته و حركاته التي تشبه الطقوس الدينية الكهنوتية
هذه المقابلة تمت بعد جهد كبير لتثبيت موعد مع مدام أوليفير ؛التي لا تكاد تستقبل أحدا , فهي في شغل دائم بحثا و تجارب طوال اليوم
دخلنا القصر و سرنا نحو صالة صغيرة , و في الحال جاءت سيدة القصر تستقبلنا .. طويلة , فارعة الطول , عليها رداء أبيض طويل أضفى عليها بهاء و مهابة , و كانت تعتمر بقلنسوة ممرضة
كان وجهها يميل إلى الطول و فيه شحوب مميز , عيناها سوداوان بنظرات ثاقبة تشتعل نزقا و حدة
بدت عندئذ كأنها قديسة أتت من التاريخ لا امرأة فرنسية عصرية , و كان أحد خديها ذا أثر من جرح أو حرق فذكرت ذاك الحادث الذي أدى إلى مقتل زوجها و اثنين من العاملين معه اثر انفجار في مختبره قبل ثلاثة أعوام و قد أصيبت هي بحروق بالغة , و منذ ذلك الحين اعتزلت الناس و انصرفت لأبحاثها العلمية بطاقة عجيبة و عزيمة ملتهبة
كان استقبالها مؤدبا و فاترا بعض الفتور , ثم قالت بوقار :
- قابلني رجال الشرطة عديدا أيها السيدان , و يبدو أنني لا أستطيع لكما عونا ؛لأن ليس عندي غير هذا
- مدام أوليفير , ربما أسألك أسئلة مختلفة تماما , و لكي لا نضيع الوقت دعيني أسأل هذا السؤال : فيم كنت تتحدثين أنت و السيد هاليدي ؟
أنت تقرأ
الأربعة الكبار _ اغاثا كرستي_
Mystery / Thrillerالكاتبة - اجاثا كريستي محاطاً بإطار الباب في غرفة نوم بوارو وقف ضيف غير منتظَر، مغطى من قمة رأسه إلى أخمص قدميه بالغبار. حدق الرجل بوجهه الناحل المضني للحظة، ثم ترنح وسقط على الأرض. من كان هذا الرجل؟ أكان يعاني من صدمة أم هو الإجهاد فقط؟ ولكن الأهم...