الفصل الرابع

9.3K 751 28
                                    

         الفصل الرابع
وقفت أمام المرآة تخلع حجابها برفق، ثم أزالت تلك اللاصقة بهدوء رغم وجعها الناتج عنها إلا أنه أمام ما تشعر به الآن ضئيل جِدًّا..التقطت المرهم الطبي ودلكته برفق فوق بشرتها..أما عقلها ذهب بعيدًا لفارسها الذي حتمًا أصابته الصدمة من حديثها اليوم، تساءلت تُرى ما يشعر به، هل سيكف عن ملاحقتها، هل سيكتفى بمحاولته ويتركها كما طلبت، غريبة الأنثى تطلب شيئًا وتتمنى أخر، آه مكتومة خرجت منها ببطيء وهي تقذف المرهم بعيدًا عنها، ترتمي بجسدها فوق الفراش تنظر لسقف غرفتها بتفكير ،ولكن قطع شرودها دخول والدتها حامله طبق الفاكهة..
_ رهف جبتلك عنب.
اعتدلت رهف ثم جلست باستقامة ، تحدثت  بنبرة مجهدة :
_ شبعانة يا ماما شكرًا .
ضيقت والدتها عينيها بتركيز قائلة بشك :
_ لا بقي كده فيه حاجة، أنتي فوق على العشا مكلتيش، وساكتة هو في حاجة، معاذ زعلك!.
توترت رهف بداخلها فقالت مسرعة :
_  لا بالعكس، بس بشرتي بتوجعني أوي من اللازقه فتلاقيني مش مركزه بحاجة..
زمت والدتها شفتيها بضيق لتهرُّب ابنتها الدائم منها :
_  لا أنا حاسة أنك مخبيه حاجة، هاسيبك براحتك ومش هاضغط عليكي، ولما تكوني جاهزة تتكلمي تعالي وقوليلي.
خرجت والدتها من الغرفة دون أن تتفوه رهف بأي حديث، تبخرت الجرأة لديها، لم يكن لديها القدرة للبوح عما يطوف بصدرها..ولأول مرة تحتفظ بشيء بداخلها دون أن تخبر به أحد لا صديقه ولا حتى والدتها، فقط نفسها!!
وكيف لها أن تخبرهم بما حدث لها فيتضاعف شعورها بألم قاسٍ بسبب نظرات الشفقة منهم، لا والله يكفي هذا ولتشفق هي نفسها على حالتها، رجعت بظهرها تستند على الوسادة وهي تمنع نفسها من الخوض في تلك الذكرى التي قسمت قلبها وبعثرت القوة والحب لديها..ذكرى سوداء أظلمت حياتها، جعلتها بلا روح!، هاجمتها بقوة كحال كل ليله ترقد وحدها بفراشها تحاول الخلود للنوم..تهاجم بلا رحمه وتتجسد أمامها وكأنها حصلت البارحة لا  مر عليها ثمانية أشهر...
                      ***
تمايلت بسمة بفستانها الوردي أمامها
وهي تقول بحيرة :
_ ها كده حلو ولا لا!.
وضعت رهف فراشه فضية اللون بجانب طرف حجابها الأبيض، ثم تراجعت للخلف تنظر من بعيد بتركيز شديد :
_ آه كده حلو آوي، اتظبط جِدًا.
همست بمزاح وصوت خافت :
_ يعني هجيب العريس وأنا جايه من الخطوبة!.
انفجرت الفتيات بضحك لتقول رهف بتحذير : _بس يابنتي لمامتك تسمعك وتمنعك أنك تروحي
ارتدت بسمة حذائها الأبيض ذو الكعب العالي قائلة :
_ لا بالله عليكي تمنع إيه، أنا ما صدقت لما معاذ وافق كنت هرقص من الفرحة!.
تساءلت رهف بلهفه غير مدركه لنفسها :
_ هو معاذ جه اجازة!.
رمقتها بسمة بمكر لتقول :
_ لا مجاش، بس إيه ده إيه اللهفة اللي في صوتك دي!.
أنهت حديثها بغمزه من طرف عينيها، نهضت رهف بتوتر وخجل مما أوقعت نفسها به، انشغلت بترتيب الثياب ثم قالت بصوتٍ خافت :
_لهفه إيه يابنتي، أنا بس بطمن عليه، يالا روحي لمامتك خليها تشوف الفستان كده..
هزت بسمة رأسها بتفهم قائلة وهي تتحرك للخارج :
_ آه قولتيلي، هروح واجيلك بسرعة.
وفور خروجها اندفعت رهف بتوبيخ نفسها عما ورطت نفسها به، جف حلقها خوفًا أن تكون كشفتها بسمة واتضحت مشاعرها للعلن..بحثت عن المياه لتخفيف حده جفاف حلقها ولكن لم تجده، ألقت الثياب على الأريكة واتجهت للخارج تبحث عن بسمة حتى تجلب لها المياه، تعجبت من حاجتها للماء بتلك الطريقة، وكأن قلبها من يريده وليس حلقها، فمجرد ذكر اسم معاذ أمامها يجعلها كالراكض لمسافات طويله في صحراء جدباء..اتجهت صوب المطبخ فاستمعت بدون قصد...
_ الفستان حلو، بس هيبقى أحلى لو جبتيلي صوره كذا بنت حلوة من الخطوبة علشان اخوكي..
قضمت بسمة التفاحة بهدوء وتساءلت بغباء : _ماله أخويا!!.
لكزتها والدتها بغيظ لتقول :
_ أنتي هبله يابت، هيكون ماله مش كبر والمفروض يتجوز هتيلي أنتي بقي كام عروسه كده حلوة..
هزت رأسها بتفهم وصمتت، راودتها فكره فقالتها على الفور:
_طب ما أنا عندي العروسة يا ماما وزي القمر وعارفينها على إيه، ومتربية كويس آوي.
اتسعت ابتسامه والدتها قائلة بحماس :
_ مين يا بسمة قولي بسرعة..
اجابتها بسمة في حماس مماثل :
_  رهف.
خابت آمال والدتها فقالت بصدمة :
_رهف!!..لا.
_ لا ليه يا ماما، ما هي زي القمر وجميلة ومتعلمة وفيها كل الصفات الحلوة.
استغفرت سامية من ربها لتقول :
_ سامحني ياربي، هي حلوة آه وأنا بحبها آوي، وبعتبرها زيك كده وبتمني تتجوز، بس متمنهاش لابني، رهف لا يا بسمة، سيبك منها خالص، أكيد ليها نصيبها بعيد عن ابني.
وضعت يدها فوق فمها تمنع شهقاتها من الخروج للعلن، فيسمعوها وتتبعثر كرامتها أكثر من ذلك، اندفعت للمرحاض تختبئ به، انهيارها من حديثهما كان بمثابة الضعف، قسوة حروفه ذبحت صدرها، جفاء كلماته كانت كالخنجر تطعن قلبها بلا رأفه، ما يزيد أوجعاها هو ذلك الحب الذي تخبئه بقلبها له..لو كان لشخص آخر حتمًا ستجد مبررًا لتهدأ نفسها، ولكن هنا الوضع مختلف ومؤلم وموجع لأقصى حد..حبست أنفاسها فبدت كغريق في بحر من المشاعر القاسية..ضربت بيدها فوق الحائط عده مرات وهي تكتم شهقاتها بصعوبة، وحتى لو استطاعت كتمها هناك من يصرخ بقوة بداخلها، متسائلًا لما العالم قاسٍ عليها لهذا الحد.. لما الحياة تحاول تدميرها بكل الطرق فتجعلها فتات لبتلات الزهور  لا ترى!!.
استفاقت من شرودها بحزن وبداخل عقلها يتردد كلمات والدته، صحيح أنها لم تغير معاملتها معها فالسيدة لا ذنب لها في النهاية، هي كانت تعلم أنها ما حدث لها لا يتقبله كل البشر، ولكن في النهاية الأمر موجع، والجميل بها أنها لم تنهِ صداقتها ببسمة بالعكس تمسكت بها، الكنز الحقيقي لا تجده في المال أو الجاه ولكن تجده في أعماق مشاعرنا في صداقة قوية تنجو معها من تقلبات الحياة الخادعة!.
عادت من شرودها بعيون مليئة بالدموع، وحدها من تستطيع تفسير ما تشعر به، لذا فضلت الصمت ودفن تلك الذكرى بداخلها، تتذكر جيدًا وقتها حينما قررت ألا تتمادي بمشاعرها باتجاه معاذ، بلهاء وكأن الحب له جهاز تحكم، نوقفه متى نريد ونزيد منه وقتما نشاء...أدركت فيما بعد أن الانتحار أسهل من الانغماس في دروب الهوى !!.
                     ********
سيجاره خلف الأخرى والمجروح يشرد بذهنه لمن قست بكلماتها نحوه، لم ينتبه أو بمعنى أصح لم يلتفت لعدد السجائر الملقاة بإهمال فوق الطاولة، غرق في بحر من المشاعر الغاضبة والحانقة عليها، تساءل لما نصيبه وقع عليها هي!!، لما لا يستطيع إجبار قلبه بالتوقف عن النبض لها، هل الحب ضعف؟!!، لم يجد إجابه بداخله ترضيه وترضي كبريائه الذي وقع صريعًا لعشقها..نهض بصعوبة ثم قبض على سور الشرفة بقوة حتى ابيضت مفاصله وكأنه يضغط فوق جروحه حتى تضمد ويستطيع هو إكمال مسيرته في قصتهم...انتبه على صوت والدته سامية وهي تقول :
_ أمال إيه كل السجاير دي يا معاذ، أنت اتجننت .
ود لو يعترف لها صارخًا أن ولدها صار كالمجنون في حب فتاه لا تبالي له أو ترفأ حتى بقلبه المسكين..خرج صوته مجهدًا :
_ عادي زهقان!.
فتحت فمها غير مدركه لما يقوله فقالت باعتراض :
_ نعم، هو اللي زهقان اليومين دول يشرب سجاير بالكمية دي!!.
استكملت حديثها لتقول بسخرية :
_أنا أعرف اللي زهقان يروح يخرج مع صحابه، يتفرج على فيلم، يعمل..
هتف مقاطعًا إياها بنبرة شبه غاضبة :
_ أمي بالله عليكي ما فيا حيل للمناهدة.. هو يوم هنقضيه بالطول والعرض وخلاص وارجع شغلي .
شعرت بأنه يمر بشيء قوي ليجعله غاضبا لهذا الحد، فقررت أن تخرجه من ضيقه وغضبه بتغير مجرى الحديث، ويا ليتها لم تقرر!!.
_ طب اقعد..اقعد، معايا على تليفوني صور بنات قمر، شوفهم كده.
حتما سيصاب بجلطة من حديث والدته الغير المبالية بحالته، وقف ينظر لها مذهولًا لما تقوله، بينما هي أكملت حديثها بحماس أكثر : _اختار بقي وأنا اخطبلك يمكن تملى الفراغ اللي في حياتك ده!.
ردد خلفها متعجبًا :
_ فراغ!!.
هزت رأسها بقوة تؤكد حديثها لتقول :
_آه فراغ، اسألني أنا، أنا أعرف أكتر منك..لما يدخل في حياتك واحدة...
أشار إليها حتى تصمت فهو قد سئم من ذلك الحديث :
_ بس يا أمي الله يرضى عنك أنا ولا عاوز اخطب ولا عاوز أملى الفراغ اللي في حياتي، أنا فرحان بيه ومبسوط آوي كمان..
رسم ابتسامه واسعة على محياه ليقول وهو يشير علي فمه :
_حتى شوفي.
ضربت كف فوق الآخر وهي تنظر له باستغراب لما يفعله وخاصةً عندما خرج من الشرفة بغضب شديد ينافي تلك البسمة التي رسمها فوق ثغره منذ قليل...
                      *******
مر الليل عليهم وكأنه دهر من الزمن..كلٌ منهم منتظر ظهور الشمس لتنير حياتهم بعد ظلمه الليل وقسوته...نهضت رهف بكسل شديد وهي تحاول أن تجذب كل الطاقة الإيجابية من حولها لتستكمل باقي يومها!!.، ارتدت ثيابها...ثم أكملت هندمه نفسها بتلك العين الصناعية واللاصقة الطبية فوقها وقبل أن ترتدي حجابها استمعت لصوت والدتها الغاضب..خرجت بسرعة من غرفتها بقلق بحثت عنها وجدتها تجلس وتتحدث في الهاتف..
_ يا أستاذ شوكت أنا مصره أكمل في الإجراءات، هو فاكرها سايبه، بقي هي دي آخره المعروف.
استمعت لحديث الآخر بتركيز، ثم صاحت لتقول برفض قاطع :
_لا والله أبدًا ما يحصل، ولا هيكون في قاعدات عرفية، ليه إن شاء الله، دي أرضنا وأوراقها الرسمية معانا وأنا بقي هسجنه ويا أنا يا هو.
تجهم وجهها عندما أدركت سر غضب والدتها، الحياة لم تهدأ قط من ألقائها بمصائب أشد من قبلها، أرضها الزراعية التي تركتها لرجل كان يحسن والدها له، تركتها ولم تهتم بها..من أحسنت إليه أمس، اليوم يسيئ لها بأقصى درجات الحقد والطمع، حينما زور بأوراقها وحولها من أرض زراعية لأرض ما تسمى بعرفهم "كردون مباني" تذكرت ذلك الرجل الطيب الذي أرسل لهما مرسال يخبرهما بما يفعله ذلك الرجل الخبيث..استفاقت على حديث والدتها لها..
_ أعمل إيه يا رهف، الحيوان بيقول لشوكت المحامي نقعد ونتراضى بقرشين، وان حبال المحاكم طويله..
جلست رهف بجانبها تقول بحنق :
_ يا ماما شوكت ده محامي على قده، ومعجبنيش ولا عجبني بروده، وبيتلكع، وحاسة أنه له يد في الموضوع، لو تسبيني أتصرف أنا..
صاحت والدتها بتوجس قائلة :
_ لا أنتي لا يا رهف ابعدي عن الموضوع ده كله، أنا مش ناقصه يحصلك حاجة.
ابتسمت باستهزاء :
_ يا ماما هتصدقي كلمتين خايبن منه، عمره ما يقدر يعملي حاجة والله.
انفجرت والدتها باكية تندب حظها :
_ياربي اعمل إيه بس، أنا تعبت وزهقت، كل حاجة فوق دماغنا كده ليه، أنا بفكر أقول لمعاذ.
هتفت بسرعة لتقول برفض :
_ لا معاذ لا..
حدقت فيها والدتها باستغراب وردت قاطبة الجبين :
_معاذ لا ليه بقي!.
نظرت لها ثوانٍ، ثم اجابتها  بتوتر :
_يعني أقصد هو مهما كان غريب علينا وبلاش نضايقه بمشاكلنا، أكيد مش ناقصنا.
رمقتها والدتها بقوة، فارتبكت رهف أكثر من نظرات والدتها..وما هي إلا دقائق وظهر طرقات شديدة فوق الباب انفزعوا لها...
خطت رهف خطوات واسعة نحو الباب وما إن فتحت حتى دفعها رجلان ذو بنيه ضخمة للخلف ويشرون لها بعصا حديدية وعيناهما لا تبشر بالخير أبدًا..التقطتها والدتها بخوف وهي تنظر لهما بريبه...وقبل أن تتحدث وجدت من تبغضه وتبغض اللحظة التي استسلمت لقلبها وطيبتها الزائدة وهي تضع أرضهما بين يده، تاركه له حق التصرف كيفما يشأ، رجل أربعيني أسمر الوجه ملامحه غليظه يرتدى جلباب أبيض واسع..عيناه تشع خبثًا..
_ إيه ده يا رؤوف أنت جاي تتهجم عليا في بيتي!.
كان صوت والدتها يظهر في المكان غير مصدقه لما يفعله ذلك الرجل..
ابتسم رؤوف باستخفاف قائلًا :
_ إيه رأيك في المفاجأة دي واقولك الكبيرة كمان مش تهديد بس لا هيكون كمان في قرصه ودن معتبره، أصل انا كنت حاسس انك هاترفضي عرضي وقاعد مستني تحت بيتك مستني مكالمه البيه المحامي، ايه رأيك فيا لما بخطط مش اعجبك يا ام رهف..
حاولت رهف التخلص من قبضه والدتها وهي تقول بصياح غاضبه:
_ أنت اتجننت وربنا لأسجنك، خد الغجر اللي معاك دول واطلع بره بيتنا...
ضرب أحد الرجال بعصاه المرآة الموضوعة بجانب الباب فتناثرت إلى قطع صغيرة أرضًا مصطحبه صراخهما العالي..أوقفه رؤوف الذي تحدث بسخرية :
_مبقاش إلا العورة تهددني..
آه من إنسان تجرد قلبه من الرحمة، وخلع لسانه ثياب العفة..مجرد كلمه تفوه بها ولم يدرك معناها، خرجت من فمه ليصيب قلبها في مقتل..ليس قلبها وحدها ولكن قلب والدتها أيضًا...
                       *******
زمت سامية شفتيها بضيق وهي تقول  بتفكير :
_اقطع دراعي إن ما حد عامله عمل، علشان حاله الواقف ده.
شرقت بسمة من كثرة الضحك لتقول بصوت متقطع :
_ عمل...وحاله واقف، أما أنتي عليكي جمل تفطس من الضحك، هو حد يعرفنا أساسًا.
جزت سامية فوق أسنانها بغيظ ثم قالت  :
_ بت أنتي بطلي بقي أنتي جايه تجلطيني..
ارتشفت بسمة الماء ثم قالت بعدها بهدوء :
_ ما أنا قولتلك رهف أهي قدامك وقمر وأنتي اللي بتقولي لا.
هتفت سامية والدتها بإصرار :
_ آه رهف لا طبعًا..
رمقتها بسمة بعتاب، فاستغفرت والدتها لتقول :
_والله ما أقصد حاجة، سامحني يارب، يخربيتك هتشيلني ذنوب يابت...
صمتت لبرهة ثم استكملت حديثها موضحة ما تكنه بداخلها :
_ والله أنا بحبها آوي آوي كمان، بس مش عاوزه اخوكي يرجع يلموني ويقولي بصي اختياركوا، لا وكمان عمتك واللي هتقوله،
رايحه تخطبي لابنك واحدة عينها شايلها وكلام مالوش لازمه ، أنا مش عاوزه أغصب علي اخوكي ولا يتجوزها شفقة يا بسمة، جواز الشفقة عمره ما بيكمل ولا بيدوم.
كادت أن تخبرها بسمة بما يكنه معاذ باتجاه رهف ولكن تلك الصرخات التي وصلت لهما جعلتهما ينتفضان كمن لدغهما عقرب اتجها صوب باب الشقة، وبعد دقيقة تبين أن الصراخ مصدره شقه رهف..اندفعت بسمة بأقصى سرعتها اتجاه غرفه أخيها توقظه بعجالة وقلبها ينتفض خوفًا على صديقتها، بينما نزلت والدتها لهما بسرعة...
هزته بسمة بقوة وهي تهتف بخوف : _معاذ ..معاذ اصحى الحق رهف.
التقطت أذنه اسمها بوضوح فهب جالسًا فوق فراشه يسألها بقلق :
_مالها في إيه...
ابتلعت بسمة ريقها لتقول بصعوبة :
_ تحت بيصوتوا الحقهم...
أبعدها عن طريقه بسرعة واتجه لشقتهما في الطابق الذي يقبع أسفلهم مباشرةً، وعندما وصل وجد والدته تتشاجر مع أحد الرجال هي وحارس البناية..وجميلته صغيرته تبكي بانيهار بسبب قبضه أحد الرجال فوق مرفقها...
اندفع بكل قوته نحوهم، ثم سدد له ضربه قوية في وجهه هاتفًا بعنف وعيناه تحمل عاصفة عاتية من الغضب :
_سيبها يا ابن***.
ترنح الرجل للخلف فحاول الآخر أن يسدد له ضربه بعصاه ولكن انتبه معاذ له فجذبها منه بمهارة عاليه وبأقصى قوته ضربها فوق رأسه..اندفعت الدماء من رأسه صارخًا بألم..
بينما التصق رؤوف بإحدى الزوايا يتابع بتوجس ما يفعله معاذ، مستغربًا من هو!!.
فر الرجلان هربًا من أمام معاذ عندما أخبرهما في وسط صراخه :
_ أنا هاسجنكوا جايين تتهجموا على بيت ظابط يا كلاب...
وبقي رؤوف وحده حاول الهرب ولكن أخبرته منال بعجالة :
_ امسكه يا معاذ...هو السبب.
قبض معاذ عليه من الخلف وأرجعه مرة أخرى مكانه هاتفًا بتساؤل قوي:
_ عمل إيه الكلب ده .
هز رؤوف رأسه بهستيريا قائلًا بتلعثم :
_ معملتش، معملتش ياباشا...
هتفت منال بحرقه وقهر :
_ لا عمل، الكلب خان العيش والملح، عض الايد اللي اتمدله في وقت مكنش يحتكم على مليم، أرض رهف سيبنهاله يزرعها ويسترزق منها زور امضتها وحولها كردون مباني وعاوز يبيعها لواحد وأنا ده كله نايمة على وداني، لولا واحد هو اللي قالي على مصايبه ولما روحتله وكلمته بالمعروف يهددني يكب على رهف مياه نار ودلوقتي جاي ويتهجم عليااا.
ضغط معاذ بيده أكثر فوق عنق رؤوف يخنقه بغضب عندما ذكرت والدتها تهديده لها بأذية صغيرته وحبيبته..لمحها بطرف عينيه تحتضن والدتها بقوة تبكي فوق صدرها غير باليه لما يحدث من حولها، رغم رفضها الدائم له، إلا أنه لم يتخلَّ قط عنها ولن يكف عن حمايتها حتى لو أصرت على رأيها، سيكون وفي لحبه ولها حتى لآخر نفس لديه!!، الحب له صور كثيره والمؤمن فقط به يدرك معانيها..
اقترب من رؤوف وهتف بأذنيه بنبرة تحمل الوعيد :
_ وربي وما أعبد لاطلع عينك واوديك ورا الشمس يا كلب، أنت فاكر نفسك في غابة مفيش قانون في البلد هيلمك لا ده انا عندي اللي يخفوك من على وش الدنياااا..أنا معاذ الشرقاوي اسأل عليا واعرف إزاي ممكن أأذي اللي يفكر في أذية اللي يخصني بس..
حرك رؤوف رأسه بهيستريا نافيًا حديثه  :
_ لا.. يا باشا والله أبدًا مش هأذيهم.
قاطعه معاذ بعيون تشع بالشر :
_ متقدرش، ولا دماغك تقدر تفكر في أذيتهم أصلاً، شكلك محتاج تجرب علشان خيالك مش مصورلك اللي أنا بقوله.
_ لا والله أنا يا باشا خلاص...غلطه طايشه..
تابع معاذ تهديده غير عابئ بما يتفوه به الاخير :
_ آه طايشه بالظبط، مشوفش وشك بقي ناحيتهم أو ناحية الأرض...لو فكرت بس تيجي جنبها أنا هاعرف وهاجيبك لو من تحت الأرض.
هتف رؤوف بخوف :
_ والله أبدًا ولا هاجي ناحيتها...أنا آسف يا أم رهف..
قال حديثه الأخير وهو يحاول أن يلتفت بوجهه نحوهم ولكن يد معاذ منعته قائلًا : _متكلمهش الكلام معايا أنا، ويالا ذق عجل ومع السلامة وياريت مشوفش وشك تاني علشان مخلهوش يساوي الأرض وأوريك اللي عمرك ما شوفته...
خفف معاذ قبضته قليلًا عنه فاندفع رؤوف يركض كالمجنون الذي فك وثائقه حالاً وفر هاربًا حامدًا ربه أنه خرج سليم من تحت قبضه ذلك الرجل..
وفور خروجه ربتت سامية فوق كتف ابنها بفخر :
_ربنا يحميك لشبابك يا حبيبي أيوه كده، الحمد لله إنك كنت موجود.
تركت منال ابنتها لتقترب منه تمسك يده بامتنان قائلة :
_ربنا يخليك لينا يا معاذ جميلك ده هشيله فوق دماغي العمر كله.
طبع قبله أعلى جبينها هاتفًا :
_ متقوليش كده أنتي زي أمي..
صمت لبرهة ثم هتف بنبرة غامضة :
_ ورهف زي أختي!.
رفعت رأسها ترمقه بوجع، يكفي ما تشعر به الآن، لم تكن في أي استعداد لتسمع كلمه زائدة تزيد من أوجاعها..اندفعت صوب غرفتها تنهار ببكاء علي ما تفعله بها الحياة...أحيانًا تكون بشعة غير منصفه..تخرجها من دوامات صعبة وتوقعها في الأشد..وهي تحارب وتحارب فقط، انهارت قواها وشجاعتها ولم يعد لديها المزيد لتقدمه، نفذ مخزونها  من الصبر، فتحولت من زهرة جميلة إلى أخرى ذابلة تقذفها الرياح بين عواصفها العاتيه!!...

نوفيلا العوضحيث تعيش القصص. اكتشف الآن