أغفر لي يا أبتِ، فقد أخطأت.

22 1 0
                                    


دقت الأجراس، وارتفع صوت الموسيقى الهادئة، يعلو شيئاً فشيئاً كلما اقتربت سالي من الباب الأمامي الكبير لكنيسة سان مايكل والتي لم تزرها منذ زمن طويل، فلم تك أبداً بالفتاةِ التي تتحلى بالتدين والايمان، لم تعتد حتى القدوم في صلوات أيام الأحد، تتذكر المرة الأخيرة التي أتت فيها إلى ذلك المكان عندما كانت في الثانية عشر من عمرها، عندما أجبرتها والدتها على القدوم والصلاة.. لكن الآن وبعد مرور كل هذه السنوات، هاهي ذا تعود هنا، وهذه المرة كسابقتها، تأتي على غير خاطرها، مجبرة على أمرها.

تتقدم سالي بضع خطوات إلى داخل الكنيسة، سرعان ما يتملكها هدوءٌ يخالف المعتاد، لم تتغير الكنيسة كثيراً عن آخر مرة زارتها، باستثناء بعض الصور الجديدة، التوسعات الجانبية ولربما بعض الزخارف على الحوائط، لكن هذه الموسيقى، هذه الوجوه، هذه الصلوات، كلها تذكرها بشئ ما، شئٍ انقطعت عنه منذ فترةٍ طويلة، ولربما كان ذلك أسوأ قرار اتخذته..

نظرت سالي بخجل واضطراب إلى يمينها ويسارها بهدوء، كلٌ منغمس في الصلوات والغناء، وجوه باكيةٌ كثيرة، لكنها لمحت بين الوجوه الخاشعة بعض الوجوه التي أصابها الضجر من أطفالٍ لا يشعرون بأهمية ذلك المكان أو تلك الترانيم، يذكرنها بنفسها عندما كانت صغيرة، عندما هربت من هنا بحثاً عن ذاتها ظناً منها أنها ستجدها خارج هذه الجدران، وكم كانت مخطئة..

(هناك) مقعد فارغ تماماً، في الصف الأخير ربما أو الذي يليه، مكان ممتاز لكي تجلس فيه وتستمتع بانعزالها عن الناس، حيث لا تضطر إلى الحديث مع شخص لا تهتم لأمره، أو لامرأةٍ عجوز تتذكر شكلها بعد مرور كل هذه السنوات، في الواقع، منذ هربت سالي من البلدة وقد انقطعت اتصالاتها بوالديها تماماً، برغم تلك الصور والأخبار التي انتشرت عن اختفائها في قريتها بعد هروبها ببضعة أسابيع إلا أن ذلك لم يجعلها تعد التفكير بأمر العودةِ قط، بل دفعها أبعد وأبعد عن تلك القرية الصغيرة، ثم عن القرى المجاورة، ثم إلى المدينة الكبيرة التي كانت زيارتها تعد حلم الكثير والكثير من القرويين الصغيرين الذين جلسوا أعلى التلة يراقبون المباني الضخمة تعانق السحاب ويرسمون لأنفسهم مستقبلاً بعيداً صعب المنال، لكنها تمكنت من تحقيق ذلك، تمكنت من بناء عائلةٍ صغيرة تشعرها بالدفء في أجواء شتاء المدينةِ الباردة، حتى عندما مرت ببعض الأحداث المؤسفة في زواجها واضطرت للانفصال لم تستسلم، بل استمرت في تربية ابنتها الصغيرة كارلي التي كانت تشبهها إلى حد كبير، هذه الذكريات دائماً ما تجعلها تبكي، معانقة ابنتها الصغيرة بعد العودة من يوم عملٍ طويل، أو ذلك الوجه الملائكي الصغير الهادئ بعدما تحكي لها قصة ما قبل النوم، الكثير من التفاصيل والأشياء الصغيرة التي تراكمت لكي تعطي سالي حياةً بديلةً عن حياة القرية الفقيرة، تعويضاً لها عن عائلتها القديمة، وضمنت لها مستقبلاً باهراً في حياةٍ مليئةٍ بالصعوبات.

أغفر لي يا أبتِ، فقد أخطأتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن