فِي التِّيه نَسِير هَائِمُونْ عَلَّنَا نَجِد نِبراسَ حَيَاتِنا--
فِي ليلَّةٍ ليلاء تَحت ضَوء القمَر الباهِت والنُجومْ المَجرُ تدَور حدقتيهَا ذَات لون العَسَل فِي ثَنَايا القِطعة الوَاسِعة المُسمَاةُ بالسَمَاء تَتمَدد عَلى فِراشٍ مِن أزهَار اللَيْلَّكْ وتَمُّد يدَها السَّمراء صَوب القَمَر هائِمةً فِي يمِّ أفكارهَا المُتلاطِمة وَتَلتفِّت فِي كل جانِب علَّ النَّوم يختطِفها اللِيلة فقَد بَات الأَرق حلِيفها لِليّلتِين مُصَاحِباً الذِكريَّات.
بَدَت كزَهرةِ لَيْلَّك ذَابِلةً وبَاهِتةُ الروحْ كَكهلٍ فِي السبعين، مستدعِيَّةً ذِكرياتِها التِي أضحَت رمادِية اللونْ، وتَتَذكَر حِينمَا يهبِط ذلِك السؤَال البرِيء عَليها عاصِفاً خَيالاتِها فِي كل مَرة، مَاذَا تودِّين أن تُصبِحي عِندَما تكبَرين؟
كَانت إجابتُها تختَلِف فِي كل عَام، تُجرِب هوايَةً فتمِل بسرعَة، تُجرِب اختِيَاراتٍ غبِية فَلا تَنطَبِق علِيها، ضَاعت أكثَر مع كُل هِوايَةٍ واختِيار فَلَم تجِد ذَاك الطُموح الذِي يتبَاهى بِه الجمِيع.تَستفِيقْ مِنْ بَحرِها عَلى قطراتِ الوَدق التِي سَقَطت نائِمة على خدِيها وعَلى السُّحبْ الحالِكة التِي تسِير بِبطء، تَجُّر أقدامَها الثقِيلة وتَتنزَه فِي باحَة منزِلها الخلفِّية الملِيئَة بالأزهَار فيتَّسِع ثغرهَا ضاحِكاً على قدوم زائِرها المفضَّل فِي الوَقت المِثالي، تستمِر فِي نُزهتِها اللِيلِّيَة مترنِحة بينمَا عسليَّتِيهَا معلَّقة على السَمَاء..
ظَلت تَحُوم تَحت المَطر ساعاتٍ متواصِلة مُبْتَلة، لِتتسطَّح مجدداً على الأعشَاب المبلَلة غِير مبالِية بأخذِها نزلة بَرد، وتسبَح كرةً أخرَى واقِعة فِي عالَمها وفِتنَة السمَاءِ الباكِية.
خزِينة الذِكريات مستمِرة ولَم تتَوقف أبداً كفِيلمٍ سينمائِي بدَأ للتو بالعَرض، أغلقَت جفنيها مستسلِمة لنومٍ طالَ غِيابه.استفَاقت بَعد خمسونْ دقِيقة على توقُف المَطر، تُراجِع فِي عقلِها الوَاهِن أفكَارَها وأهدافَها القدِيمة وَالحدِيثة فَلم تَرغَب أن تكونْ فارِغةً كالموت، تائِهَة للأبَد، سَحبَت مِن حقيبَتها الفضِية دفتَراً صغِيراً مع قلمٍ ذا لونٍ زهرِي فتطبَع كلِماتها بخطٍ صغِير على جَانِب الوَرقة..
"مَا الفائِدةُ مِن الانتِظار بينمَا الفُرص تقبع أمامَنا دائِماً؟"طَرحت تساؤلهَا الذِي حَرق كل ذرة تِيهٍ بقلبِها مردِفة بهوايتِها المفضَلة والجوانِب الجَّيدة بِها وَأنوَاعْ الأحلامْ التِي تلِيق بِها وتشبِهها.وبعدْ تحلِيلٍ عمِيق حَددت الوجهَة التِي لن تمِّل منهَا والتِي ستَرضَى بِها، اختارت بَعد سَهوٍ طوِيل أن تَكون عالِمة نباتَات فقَد فُتِنت بالأزهَار خصوصَاً اللَيْلَّكْ التِي تُشابِه روحهَا، وَثبَتْ على قرارِها بعزمٍ مشيدَّة حول حِلمَها القِلاع، أطبَقَت جانبِي الدَفتر مُعلِنةً إغلاقه للأبَد.
"ألَم تجِدْ حِلمُك بَعد؟".
تمت.
---
مِن الثَالِث مِن دِيسمبَر إلى الخامِس مِن دِيسمبَر عَام ألفَان وعِشرون.
إزَالة الإبهام عَن الكلِمَات:
- نِبراس: مِصباح.
-ليلاء: شدِيدة الظلمة.
-المَجرُ: كثِيرة العدد.
- يمّ: البَحر.
-الوَدق: المَطر.
-تَحُوم: تدور.
-الواهِن: الضعِيف.
-سهو:غفلَة.
- وَثَبَتْ: قفَزت- نَهضَت.- -♡
"دُمْتُمْ بِوِدْ".
أنت تقرأ
لَيْلَّكْ|A.S
Short Storyتَنْتَظِر اللَّيْل أنْ يَجِنُ عَلِيهَا فَيَظُل حبَِيسْ عَينَيّْهَا وَالذِكْرَيَات. -قصة قصِيرة. -الثالث من ديسمبَر عَام ألفَان وعِشرون.