ها قد بكى .. لله ما يُبكيهِ
للهِ ما من ضعفهِ يُخفيهِ
كان الأسى يجتالُ حولَ فؤادِهِ
فيدسُّه في الصَّدر لا يُبْديهِ
مُتماسِكٌ أو هكذا يبدو لهم
والدمعُ يحبِسه فلا يُجريهِ
والآن دكدَكتِ العواصف صَبرهُ
والصَّمت باتَ كخنجرٍ يُدميه
ها قد هوى ..وبكى بدمعٍ حارقٍ
مُتوسِلاً لأُفُول ما يشقيهِ
خلُّوه إذ يَبكي ويشرقُ بالبُكا
فإلى متى ؟ والدَمعُ يُحبَسُ فيه؟
فلترحموا ذُّل العزيز وغادروا
فَشُهود هذا الضّعفِ لا يرضيهِ
لا تهزِموه بنظرةٍ..لا تُشفِقوا
كانت هزيمةُ نفسهِ ..تكفيهِ.
ماذا جنيتُ لكي تمل وصالي؟
إني سألتك هل تجيب سؤالي
حاولتُ أن ألقى لهجرك حجة
فوقعت بين حقيقةٍ، وخيالي
كنتُ القريب وكنتَ أنت مقربي
يوم الوفاق وبهجة الإقبالي
فغدوتُ أشبهَ بالخصيم لخصمه
عجبًا إذًا لتقلب الأحوالِ
ياصاحبًا سكن الملالُ فؤادهُ
أسمعتَ مني سيءَ الأقوالِ؟
أنا ما طلبتك أن تعود لصحبتي
بعد القطيعة، أو ترق لحالي
فأنا بغيركَ كامل متكملٌ
وكذاك أنتَ على أتم كمالِ
لا أنتَ لي نقص ولا أنا سالبُ
منكَ الكمال فعش عزيزًا غالي
فاقطع وصالك ما استطعت، وعش على
هجري فإني لا أراك تبالي!
هي قصة بدأت بحبٍ صادق
وتنوعت يوما بكل جمالِ
فقضت ظروف الدهر أن تمضي بها
وبنا لأسوء منتهى ومآلي
أنا لن أجادلك الوفاء فما مضى
قد يستحال رجوعه، بجدالِ!
لو أن فيكَ من الوفاءِ بقيةً
لذكرتَ أياماً مضت وليالي
ووهبتني أسمى خصالِك مثلما
أنا قد وهبتُك من جميلِ خصالي
كم قُلت أنك خيرُ من عاشرتُهم
فأتيت أنت مخيبًا آماليَ.
"أَسيرُ الخَطايا عِندَ بابِكَ واقِفُ
على وَجَلٍ مِمّا بهِ أَنتَ عارِفُ
يَخافُ ذُنُوبًا لَم يَغِب عَنكَ غَيبُها
ويَرجُوكَ فيها، فهُوَ راجٍ وخَائِفُ
فمن ذا الذي يَرجُو سِواكَ ويتَّقي
وما لكَ في فَصلِ القضاءِ مُخَالِفُ
فيا سيِّدي! لا تُخزِنِي في صَحيفتي
إذا نُشِرَت يومَ الحِسابِ الصَّحائفُ
وكُن مُؤنِسي في ظُلمةِ القَبرِ عندما
يصُدُّ ذَوُو القُربى ويجفُو المُؤالِفُ
لَئِن ضاقَ عنِّي عفوُكَ الواسعُ الذي
أُرَجِّي لإسرافي، فإنِّي لَتَالِفُ."
- ابن الفرض الأندلسي.