AYA_ATB

مين مستيقض

AYA_ATB

حقًا تُريدُ أنْ تَعرِفَهُم؟ حَسَنًا، سَأُحَدِّثُكَ عَنْهُم...
          
          هُم أشياءٌ لا تُرَى، أرواحٌ ضائعةٌ تَشُقُّ طَرِيقَها عَبرَ سَرادِيبِ الظَّلامِ الأَبَدِيِّ، تَتَسَرَّبُ إلى رُوحِكَ كما يَتَسَرَّبُ السُّمُّ إلى العُرُوقِ. لا صَوتَ لَهُم إلا هَمَسَاتُ العَدَمِ، هَمَسَاتٌ كالسَّكَاكِينِ التي تُمَزِّقُ السُّكُونَ. وُجودُهُم لَيسَ مُجَرَّدَ عَذَابٍ، بَل هُوَ انعِكَاسٌ لِنَفسِكَ، ذلِكَ الجُزْءُ الذي تُحَاوِلُ أَنْ تَهرُبَ مِنهُ دَائِمًا.
          
          تَجلِسُ في عُتمَةِ الغُرفَةِ، تَشعُرُ بِأَنفَاسِكَ هيَ التي تَخنُقُكَ، وأَنَّ الزَّمَنَ أَصبَحَ بَحرًا مِنَ المَرَايَا المَكسُورَةِ. كُلُّ واحِدَةٍ مِنهَا تَعكِسُ خَوفًا لَمْ تَعرِفهُ بَعدُ، وُجوهًا مُشَوَّهَةً تُرَاقِبُكَ مِن خَلفِ الظِّلَالِ، تُحَرِّكُهَا كَوَابِيسُكَ التي لَطالَمَا دَفَنتَهَا.
          
          لا أَمَلَ بِالهُرُوبِ، لِأَنَّهُم يَعرِفُونَكَ أَكثَرَ مِمَّا تَعرِفُ نَفسَكَ. يُدرِكُونَ خَفَايَا عَقلِكَ وَزَوَايَا قَلبِكَ المُظلِمَةِ، يَتَغَذَّونَ عَلَى ذَاكَ الهَلَعِ الذي تُحَاوِلُ إنكَارَهُ. مَعَ كُلِّ نَبضَةِ قَلبٍ، تَشعُرُ بِهِم أَقرَبَ، تَهْمِسُ أَنفَاسُهُم الحَارِقَةُ فِي أُذنِكَ، وَتَسرِي قَشعَرِيرَةٌ بَارِدَةٌ فِي جَسَدِكَ كَمَا لَوْ أَنَّ يَدًا غَيرَ مَرئِيَّةٍ تُلَامِسُكَ.
          
          وَلَكِنَّ الأَسوَأَ لَمْ يَبدَأ بَعدُ. لِأَنَّكَ عِندَمَا تُحَاوِلُ الهُرُوبَ، تَكتَشِفُ أَنَّكَ لَمْ تُغَادِر قَط. جَحِيمُهُم لَيسَ مَكَانًا، بَل هُوَ أَنتَ. هُم لَيسُوا سِوَى انعِكَاسٍ لِأَعماقِ رُوحِكَ التي تُحَاوِلُ تَجَنُّبَهَا. نُقطَةُ البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ مَعًا، حَيثُ يَتَلَاشَى الزَّمَنُ، وَيَتَحَوَّلُ كُلُّ شَيءٍ إِلَى حَلَقَةٍ لَا نِهَائِيَّةٍ مِنَ الرُّعبِ وَالضَّيَاعِ.
          
          أَمَّا الآن... مَاذَا سَتَفعَلُ؟