[تَحقيقُ ما للمناطِقةِ من مقولة]
_______________________________
لألفَي عامٍ و يزيدون، بقي ارسطاطاليس متربعًا على عرش المعرفة البشرية، فَبعد أن انشقت العلوم عن ثوبِه -او هالته الاقرب للقداسة- بجهودِ النهضة العلمية في أوروبا من فرانسيس بيكون و غاليليو غاليلي حتى غريغور مندل و تشارلز داروين، و أصبحنا نعرف في هذه العلوم الطبيعية و الرياضية خلال المئتي عام الماضيتين عشرات أضعاف من عرفناه فيها منذ الاغريق و فارس.
و مع ذلك بقي ارسطو، لغاية اليوم، رئيسا على الفلسفة و معلمها الأول لعلة -او نعمة- واحدة و هي المنطق، ذلك أنّ كل آراءه و أفكاره العلمية و الفلسفية سقطت و بطلت ما خلا إنجازه الأهم و هو "الاورغانون" او كما يسمى بلغة العرب "آلة الفكر".
قال المناطقة: للعقل طريقان يدرك بهما و يفهم من خلالهما العالم: الفلسفة و الرياضيات، و كليهما مبني على الاستدلال و البرهان، و الاخيران بدورهما شريانيّ العقل، و المنطق الارسطي هو عين العقل، فلا أداة تقف في مواجهته تنافسه في تمحيص المعرفة لدى الإنسان و تنظيم فكره.
نقول: إنا و إن وافقنا هذا القول، فإنا لا ننثني عن الشك في كل برهان مطروح، إنا نشك على منهج ديفيد هيوم في الشك، نشك بكل ما إن شككنا به لن نقع بالتناقض، و إن كان ادراك الإنسان انه جاهل اول خطوة للحكمة، فإن شك الإنسان بكل ما يحمل من فكرٍ هو ثاني خطوة للحكمة، و إنا نرفض من توهم أن المنطق الارسطي سيعصم فكره و إيمانه عن الزلل، إنما غايته تقريبنا للتفسير الأكثر واقعيةً للحقيقة ببركة البرهان قبل الاعتقاد.