لو أننا لم نفترق
لبقيتُ نجماً في سمائكِ سارياً
وتركتُ عمري في لهيبكِ يحترق
لو أنني سافرتُ في قمم السحاب
وعُدتُ نهراً في ربوعكِ ينطلق
لكنَّها الأحلامُ تنثرنا سراباً في المدى
وتظلُّ سرّاً في الجوانحِ يختنق
لو أننا لم نفترق
كانت خُطانا في ذهولٍ تبتعد
وتشدُّنا أشواقنا
فنعودُ نمسك بالطريق المرتعد
تُلقي بنا اللحظات
في صخب الزحام كأننــا
جسدٌ تناثر في جسد
جسدان في جسدٍ نسيرُ وحولنا
كانت وجوه الناس تجري كالرياح
فلا نرى منهم أحـــــــــــــــــــد
مازلت أذكر عندما جاء الرحيل
وصاح في عيني الأرق
وتعثّرت أنفاسنا بين الضلوع
وعاد يشطرنا القلق
ورأيت عمري في يديك
رياح صيفٍ عابثٍ
ورماد أحلامٍ .. وشيئاً من ورق
هذا أنا
عمري ورق .. حلمي ورق
طفلٌ صغيرٌ في جحيم الموج حاصره الغرق
ضوءٌ طريد في عيون الأفق يطويه الشفق
نجمٌ أضاءَ الكون يوماً واحتــــرق
لا تسألي العين الحزينة
كيف أدمتها المقل
لا تسألي الطير الشريد
لأي أسبابٍ رحل
لا تسألي النجم البعيد
بأي سرٍّ قد أفل
مهما توارى الحلم في عيني
وأرقني الأجل
ما زلت ألمح من رماد العمرِ شيئًا من أمل
فغدًا ستنبتُ في جبين الأفق نجمات جديدة
وغداً ستورق في ليالي الحزن أيامٌ سعيدة
وغداً أراكِ على المدى
شمساً تُضيءُ ظلام أيامي وإن كانت بعيدة
لو أننا لم نفترق
حملتك في ضجر الشوارع فرحتي
والخوف يلقيني على الطرقاتِ
تتمايل الأحلام بين عيوننا
وتغيب في صمت اللقا نبضاتي
والليل سكيرٌ يعانق كأسهُ
ويطوف منتشيًا على الحاناتِ
والضوء يسكب في العيون بريقهُ
ويهيم في خجلٍ على الشرفاتِ
كنا نعانق في الظلام دموعنا
والدرب منفطرٌ من العبراتِ
وتوقّف الزمن المسافر في دمي
وتعثّرت في لوعةٍ خطواتي
والوقت يرتعُ والدقائق تختفي
فنطارد اللحظات باللحظاتِ
ما كنت أعرف والرحيلُ يشدُّنا
أني أودّعُ مهجتي وحياتي
ما كان خوفي من وداعٍ قد مضى
بل كان خوفي من فراقٍ آتي
لم يبق شيئاً منذ كان وداعنا
غير الجراحِ تئنُّ في كلماتي
لو أننا لم نفترق.
- فاروق جويدة, لو أننا لم نفترق .