تخيلي نفسك عندما يؤمر بك إلى جهنم عندما تنظرين إلى الصراط ودقته وهوله وعظيم خطره وانتِ تنظرين إلى الزالين والزالات من بين يديه ومن خلفه وقد تنكست هاماتهم وارتفعت على الصراط أرجلهم وثارت إليهم النار بطلبتها، وهمّوا بالويل ينادون وبينما تنظرين اليهم مرعوبةً خائفةٌ أن تتبعيهم، لم تشعري إلا وقد زلت قدمك عن الصراط فطار عقلك ثم زلت الأخرى فتنكست هامتك، فلم تشعري إلا والكلوب قد دخل في جلدك ولحمك، فجذبك به وبادرت إليك النار ثائرة غاضبة لغضب ربها، فهي تجذبك وانتِ تُنادي : ويلي ويلي، ثم لم تلبثِ وتقطر بدنك وتساقط لحمك، وتكسرت عظامك، وتنادين ولا تُرحمي وتتمنين أن تعودي لتتوبِ فلا يجاب نداؤكِ
فتطلبين الراحة بين الحميم وبين النار، فلا راحة ولا سكون أبداً
بينما، ستُمنعين من الفِردوس الأعلى، جنّة اللهِ، ما لا عينٌ رأت ولا أُذنٌ سمِعت، ستُحرمين من وجهِ الله عز وجل، وصوته، خيّراته ونعيمه
إندمي وتوبي قبل فوات الآوان! أبواب التوبة مفتّوحة الأن لكنها لن تظل كذلك للأبد
اللهم إني بلغّت، اللهم فاشهد.
ألا تخافين الله؟ أين ستختبئين منه؟ من رب العالمين، من صختّه وغضبه، كيف ستقفين بين يديه عز وجّل؟
ماذا ستقولين له جل جلاله؟ يا ربّ، لقد تبرأت من ذنوبهم؟
انتِ لا تحتملين لسعة النار في الدُنيا، كيف جهنم الآخرة؟
وصف جهنم : هي دار خص أهلها بالبعاد، وحرموا لذة المنى والإسعاد، بُدلت وضاءة وجوههم بالسواد، وضربوا بمقامع أقوى من الأطواد، عليها ملائكة غلاظ شداد، لو رأيتهم في الحميم يسرحون وعلى الزمهرير يطرحون، فحزنُهم دائم فلا يفرحون، مقامهم دائم فلا يبرحون أبد الآباد، عليها ملائكة غلاظ شداد، توبيخهم أعظم من العذاب، تأسفهم أقوى من المصاب، يبكون على تضييع أوقات الشباب وكلما جاد البكاء زاد، عليها ملائكة غلاظ شداد، يا حسرتهم لغضب الخالق، يا محنتهم لعظم البوائق، يا فضيحتهم بين الخلائق، أين كسبهم للحطام؟ أين سعيهم في الآثام؟ أين تتبعهم لزلات الأنام؟ كأنه أضغاث أحلام، ثم أحرقت تلك الأجساد، وكلما أحرقت تعاد، عليها ملائكة غلاظ شداد
إنظري إلى حال أولئك التعساء وهم يتقلبون في أنواع العذاب ويعانون في جهنم ما لا تطيقه الجبال، وما يفتت ذكره الأكباد ولا تسأل عما يعانونه من ثقل السلاسل والأغلال
أهل النار في عذاب دائم، لا راحة ولا نوم، ولا قرار لهم، بل من عذاب إلى عذاب
وهم مع ذلك يتمنون الموت فلا يموتون! قد اسودت وجوههم، وأُعميت أبصارهم وأبكمت ألسنتهم، وقصمت ظهورهم وكسرت عظامهم
اللهم إني بلغّت، اللهم فاشهد.