Kaf_Dot
برزخُ الحقيقة: في مديح الرمادي
نحن كائناتٌ تميل بطبعها إلى الحواف؛ نقدس بياض اليقين أو نستسلم لسواد العدم، نهرب من وطأة الحيرة إلى دفء الانحياز. لكننا، في هذا الركض المحموم نحو الأطراف، نغفل عن "المنطقة الرمادية"— ذلك البرزخ الذي لا هو ليلٌ تماماً فيُنسى، ولا هو نهارٌ جليٌّ فيُحسم.
الرمادي ليس لوناً باهتاً أو دليلاً على العجز، بل هو تداخل ألوان الحقيقة كلها في نقطة واحدة.
هو المساحة التي تسكن فيها الأسئلة الحقيقية، حيث يتصالح النقص مع السعي، وحيث ندرك أن أسمى مراتب الحكمة ليست في قول "نعم" أو "لا"، بل في شجاعة الوقوف عند "ربما".
في الرمادي، نتخلى عن كبرياء الإحاطة بكل شيء، لنكتشف أن الإنسان أجمل ما يكون حين يكون مزيجاً من المتناقضات؛ فلا الخير فينا مطلق، ولا الشر فينا أصيل. إن الرمادي هو تنفّس الروح بعيداً عن ضجيج الأحكام الجاهزة، وهو الضوء الذي يرفض أن يحترق بوهج الشمس، ويرفض أن يغرق في عتمة البئر.
إننا نعيش في الأطراف، بينما الحياة الحقيقية — بكل تعقيداتها، وعمقها، ودهشتها — تنبض في ذلك المنتصف المنسي. فمن لا يبصر الظلال، لن يدرك أبداً حقيقة الضوء.
كــاف.