وصدمته حين رأى الأوّل يسترق النظر إلى ممتلكاته، وفي غرقه في شعور الخيبة والغدرة، هو نظر لي، نظر إلى جهتي ووجهه الشاحب مليء بالإستنكار، وكأنه من بين كل الأطراف المشتركة في خيانته— كنتُ الوحيد الذي وثق أن لن يخونه.
"لو كنتُ أعرف أن شخصًا مثلكِ موجود في هذه الدنيا لما اخترتُ أن أموت، أنا متأكدٌ من ذلك" تدافعت في عيني الدموع، استمع لصوته الهادئ يمتلئ بالحسرة.
لقد تألمتُ، لم أشعر بالألم كما شعرتُ به هذه اللحظة، تمنيتُ أني لم أعرفه، أني لم أخض فيه، و أني طردته من منزلي في تلك الليلة.
لقد كان ميتًا منذ البداية، و كنتُ أعلم أن الواقف أمامي مجرد روح و أنه في يومٍ ما سيختفي. مع ذلك أملتُ؛ أملتُ تلك النهايات السعيدة من الروايات والتي تتواجد الا فيها.
لقد اختار الموت، مما زادني ألمًا، ندمتُ أني لم أعرفه حين كان على قيّد الحياة، و أني لم أكن بجواره في أيامه الصعبة، ألمي و حسرتي لن يدحضها أي شيء، و سيترك رحيله في قلبي ندبةً لن تبرأ ولو بعد ألف عام.
لقد مات مرة، و سيموت اليوم مرةً أيضًا.
و حين حلّ الليل، كان بالفعل وحده، مجددًا، روحٌ وحيدة يرافقها ضوءٌ القمر، لقد بدا له ذلك الضوء مقززًا.
فهو مزيف و قبيح، مليئٌ بالنتوء و يستمد نوره من الشمس، مجرد حجرٍ تافه و وضيع، لكنهم يستخدمونه رمزًا للبهاء.
هذا كان أكثر شيئٍ لا يقدر على فهمه، فلا شيء جميل في القمر ليتغزّل به العُشّاق.
هو لم يعلم، أن الجمال الحقيقي يكمن في تلك الأشياء القبيحة، و التي بالرغم من قبحها فهي تشع ببهاء، حتى لو عنا ذلك أن تستعين بشخصٍ ينيرها.
كان و مازال دائمًا شديد التركيز على الجوانب السلبية، و على الظل، ناسيًا أنّ الظل لا يشتد إلا بوجود النور، و أنّ الطريق مضيءٌ في آخره.
الحياة صعبة، لكن لا حلاوةَ إنّ لم تذق طعم المرارة، و الطريق أمام الجميع طويل، مليئٌ بالعثرات التي قد تجرحك و تكسرك، لكن الكسور تجبر في النهاية، و الجروح تبرأ، فما عليك إلا صبرًا.
يومًا ما سنجد طريقنا وسط هذه الفوضى، و سنسير على نهجه حتى نصل لآخر الطريق، سنتلوى ألمًا و سنقف، هذا الألم لن يدوم، سيمر، سيزهر الربيع بعد الشتاء، و سنضحك حتى تؤلمنا بطوننا سعادة.