![](https://img.wattpad.com/useravatar/AnwarSoufan.84.55027.jpg)
AnwarSoufan
تترجل لاميا بخطوات هادئة على الرمال الرطبة، تردد كلماتها وكأنها تغني للحياة المظلمة التي تحيط بها: ــ "في حديقة أحلامي السوداء، الكل تساوى... ملح أو سكر، أبيض أو أسود، الكل سواء." كان ياسين يقف أمام البحر، يحدق في الموج وكأنه يخاطب رفيقًا قديمًا: ــ "لا تدع رفاتي يا صديقي بعد موتي تنهشها السباع، لا تدع عظامي دون قبر للضياع. رمم لي القبر ليحضني، ابكِ وانثر في ثنايا الليل نغمات الوداع. إنني إن مت، فليس لشئ، غير أنني هرمت من الضياع." توقفت لاميا خلفه، وقد أثار حديثه شجنها، وردت بحزن عميق: ــ "أتُرى الموت وتحدثه كأنه الرفيق؟ كأنه المرسى، كأنه الغاية في نهاية الطريق؟ أتَبكي قبل أن تتألم؟ أتعجل القدر وأنت في حضن الرحيق؟" استدار ياسين نحوها وقال بصوت مكسور: ــ "تاني انتي... بلاش أنا، أنا طريقي كله شوك." ــ نظرت إليه لاميا بعينين مليئتين بالرجاء: "هو كتير عليا أحس بالأمان؟ كتير أحس إني أغلى من أي حاجة؟" تنهّد ياسين وأجابها بصراحة: ــ "لا، طبعًا مش كتير. بس أنا مش من حقك... ولا إنتي من حقي." اقتربت لاميا منه أكثر وقالت بتوسل: ــ "أحميني بس، والنبي. مش عاوزة أموت لسبب مجهول." ــ أجابها ياسين بثقة: "هحميكي، بس لازم تعرفي... أنا مرتبط بالموت. كل يوم بيزورني، واقف بيراقبني." ثم أشار نحو موجة عالية تتقدم من بعيد وقال بصوت مرتجف: ــ "بُصي... الموجة العالية اللي جاية هناك دي... جيالي أنا. عاوزة تخطفني. بس في حاجة منعاها." نظرت لاميا في رعب وارتعشت كلماتها: ــ "إنت مسكين... فعلاً مسكين." ابتسم ياسين بمرارة، وانهمرت دموعه دون أن يحاول إخفاءها. تحدث وكأنه يعترف بجريمة لم يرتكبها: ــ "مراتي وابني غرقوا في البحر جنبي... وأنا ممتش. ومن وقتها، أدركت إن الحياة لعنة. ماتوا... وماتت معاهم كل المشاعر الطيبة جوايا تجاه الحياة." وضعت لاميا يديها على يديه، في محاولة لانتشال قلبه من الحزن، وقالت: ــ "حب الحياة... حاول." أجابها ياسين بحزم، وكأن الكلمة تُثقل صدره: ــ "لا. مستحيل. علاقتي بيها انتهت." نظر إلى البحر مرة أخرى، ثم أنهى الحديث بصوت هادئ: ــ "تصبحي على خير... بكرة نتقابل الصبح." تركها هناك، واقفة بين الرمال والبحر، تحمل في قلبها ألمًا جديدًا، ليس لها وحدها، بل له أيضًا. رواية لعنة كاترين