"ثلاثة أشهر فقط، ثلاثة أشهر هي كل ما تبقى لك..."
يتردد في ذهني كلام الطبيب وأنا أعبر الطريق، الشارع خالٍ إلّا من بعض المارّة هنا وهناك، كورقةٍ في مهب الرّيح أمشي على غير هدى، أصرخ وأصرخ، ولكن ما من مجيب ولا سميع، أما من عابر سبيل أشكو إليه همي؟ أصفع نفسي على سخافتي، فمتى كان للأحجار آذان؟!
آه أيّها الألم، أللآن لم يحن الوداع؟ كعشيق مخلص يأبى الفراق، أيا سلوتي ومنجاتي، أيا رفيقي وجليسي، كبيرٌ كان نصيبي منك في حياتي، أسأكافئ على ذلك حين يحين الممات؟ يا لصيق الوحدة ورفيق اليأس قرُب أوان الفراق! ما بين صدٍّ ورد، تقبل إليَّ فأعرض عنك، وأقترب منك فتصدُّني عنك، كبرتُ بجانبك وتحدثت إليك، وضعت وجهي في وجهك وبتَّ ذلك الخيط الرفيع الّذي يصلني بالحياة، حطّمتني ثم أعدّتَّ بنائي، احتضنتني واحتضنتك، تتوالى السّنون والأيام وغدوت بفضلك أيّها الألم كميّتٍ على قيد الحياة!