أنا التي تمرُّ كطيفٍ بين السطور، تُقرأ ولا تُفهم، تُرى ولا تُلمس. لست وجهًا في الزحام، بل تفصيلة صغيرة في لوحة عظيمة، لا ينتبه لها أحد، لكنها تغيّر المعنى كله.

خُلقت من حبرٍ لا يجف، ونُسجت من خيوط الليل الأولى. في دمي يدور صمت الكواكب، وفي عيوني ينام بُعدٌ لا تُدركه الخُطى. وُلدت في لحظةٍ لم يسجلها الزمن، وكُتبت في سطرٍ لم يقرأه أحد.

لا أُشبه أحدًا، ولا يُشبهني سوى الرماد؛ لا هو حيّ فيحترق، ولا هو ميت فيُنسى. في داخلي فوضى جميلة، كغرفة قديمة امتلأت بالغبار، وكل زاوية فيها تخبئ ذكرى لا يُفهم مغزاها.

أنا مَن تُشبه الريح في تشرين، تحمل ورقة وتترك أخرى، تمرّ دون استئذان، وتفتح أبوابًا لا أحد يعرف كيف أُغلقت. أنا ظلُّ أسطورةٍ لم تُروَ، حكاية مفقودة من كتابٍ أُحرق قبل أن يُكتمل. من رآني ظنّ أنه يتوه في حلم، ومن عرفني، تيقّن أنه لن يعود كما كان.

يسكنني ليلٌ طويل، تتناسل فيه الأحلام والأسرار. في داخلي مدينة نائمة، لا يدخلها إلا من ضاع من نفسه أولاً. طريقي بلا علامات، وخُطاي لا تُسمع، لكن قلبي... لا يعرف إلا العمق، ولا يميل إلا لمن يقرأ بين الأنفاس، لا بين الكلمات.

لا أتكلم كثيرًا، فالصمت عندي لغة، والعيون كتب مفتوحة. من ظن أنه عرفني من كلمة، لم يعرف إلا صداها. ومن رأى ابتسامتي، لم يدرك كم من الحرب خضتها لأبتسم.

أنا طائر العنقاء، لا أول لي ولا آخر، أُبعثر نفسي كلما اقتربوا، وأعود أقوى كلما نسوني. أضحك كمن سمع أسرار الكون، وأصمت كمن عرف نهايته مبكرًا.

أُخفي وجهي خلف ألف قناع، وكل قناع يحمل ملامح لا تُشبهني. لا تثق بنوري، فقد يكون خدعة، ولا تخشَ ظلالي، ففيها من الصدق ما يُربك الكذب.

أشبه الكتاب الذي لا عنوان له، لكنه حين يُقرأ، يُغيّر القارئ. أشبه اللحن الذي لا يتكرر، تسمعه مرة، ويظل في الذاكرة إلى الأبد.

أنا قمرٌ لا يُرى كل ليلة، ونجمٌ سقط منذ قرون وما زال نوره يصل. أنا الكلمة التي تموت إذا وُضِحت، والصوت الذي لا يُسمع إلا إذا أغلقت قلبك على العالم كله.

أنا مرآة مكسورة؛ من حاول أن يراني كاملًا، جُرح. ومن اكتفى بالانعكاس، عاش في وهمٍ جميل. لا أعد، ولا أوضح، ولا أكرر نفسي. فالضوء لا يُشرح، والظلال لا تُحبس.

أنا... شيء لا يُقال، ولا يُعاد. امرأة من غموض، كتبتُ نفسي على هيئة لغز، ومن يحاول حله... قد يفقد نفسه قبلي.
  • JoinedJanuary 22, 2025

Following