أجلسُ علىٰ كرسيٍّ لا يعرفني
في غرفةٍ تشبهني أكثر ممّا أشبهها
كلُّ الأشياء هنا رماديةٌ
حتى صوتي حين أُنادي نفسي ..
لا يجيب
كنتُ أظنّ أني أعرفني
أن لي شكلاً يُشبه ظِلي
أنني حينّ أضحك أكون أنا
وحينّ أحزن أكون أنا أيضًا
لكنّي اكتشفتُ أني مجرّد فراغٍ
لا يتذكّر مَن كان
أحيانًا أفتّش عني في الناس
في وجوه المارة
في الأغاني التي تُشبه دفءَ صداقةٍ
لم تعُد موجودة
ولا أجد شيئًا سوىٰ انعكاسٍ هشٍّ
لعينٍ تبحثُ عن عينيها ..
الزُرقة بدأت تتسرّب من الجدران
تسري في أصابعه كحبرٍ يكتبُ من تلقاءِ نفسه
كلُّ شيءٍ صار يتنفّس بلونٍ مائلٍ إلىٰ الغياب
حتىٰ صوته حين يتكلّم
يترك وراءه أثرَ موجٍ خفيفٍ علىٰ الهواء
الليل لم يعُد ليلًا ..
صار سطحًا سائِلًا يعبره ببطءٍ
كمن يمشي فوق مرآة
يشعر أن الغرفة تُراقبه من الداخل
أن الجدران تهمس بأسماءٍ لم يسمعها أحدٌ من قبل
حينّ يلمس السقف
يجد الحجر الأسودَ قد ذاب
وانسكب مِنه نورٌ باردٌ
يُشبه فكرته القديمة عن الأمل ..
الآن —
لا يعرف إن كان هو الذي يعيش في الغرفة
أم الغرفة هي التي تسكنه ..
منذُ أن غَفَت المرايّا في عينيه
لم يعُد يرىٰ وجهه إلّا كظلٍّ يسعل ضوءًا
يُحدّق في الجدار كأنّه يُنصِتُ لنبضٍ قديمٍ
يأتي من جهةٍ لا يسكنها أحد
علّق علىٰ السقف حجرًا أسود
وقال إنّه قمره الخاصّ —
قمرٌ لا يدور ، بل ينتظره
يستيقظ كلّ مساءٍ ليعدّل ميلَ النجوم
يُطفئ المصباح كي يُضيءَ لون العتمة
ويكتب علىٰ الحائط بالأظافِر ..
" ربّما أنا الحلمُ الذي نسي أن ينام ؟ "
الآن يُفكِّر بتغطية الجُدران
بظلٍّ أزرق
كي لا تُهاجر السماء منه ثانيةً ..