نوفمبر… آخر ليلة منه.
الوقت عبر منتصف الليل بقليل، والشتاء يمد أولى خطواته فوق النافذة، يترك برده على أطراف قلبي كأنه يذكّرني بما فقدت.
إنه نوفمبر يا عمران…
الشهر الذي تسلّل فيه حبك إليّ دون أن أقاوم.
الشهر الذي أقف فيه كل عام على حافة نفسي، أقرر أن أطويك من روحي… لكنك لا تمنحني فرصة.
تعود من بعيد، من ظلال أحلامي، تطفو كطيفٍ أعرفه أكثر مما أعرفني، وتثبت لي كل مرة أنني لم أهرب بعد، وأنني ما زلتُ واقفة عند نفس الجرح.
يا عمران…
كم أنا ساذجة لأصدق حضورك، وكم أنا منهكة لأكرر الخطأ ذاته.
أعرف أنك لا تشبه النجاة… أنك مجرد خطأ لعين، ورغم ذلك أجدني أغرق فيك من جديد، كأن قلبي لا يجيد سوى الوقوع في الهوّة نفسها، باسم الحب.
كان كل شيء يبدو وكأنه يقف على حافةٍ رقيقة بين اليوم والغد، بين ما نعرفه وما نخافه.
نحن نعيش على أطراف المجهول، نمسك بلحظاتنا الهاربة كأنها آخر خيط يربطنا بالعالم، رغم أننا ندرك جيدًا أننا مجرد عابرين في طريقٍ لا نرى نهايته.
في ذلك الصباح، تسلّل إلى عقلي سؤال ثقيل:
هل نحن مستعدّون فعلًا لما قد يحمله الغد؟
كيف سيكون هذا اليوم؟
وماذا لو جاء الغد أسوأ مما نتوقع؟
ماذا لو فقدنا ما ظننّاه دائمًا ثابتًا؟
وماذا لو لم يأتِ الغد أصلًا؟
كنت أتساءل بصوتٍ لا يسمعه أحد سواي:
هل أستطيع احتمال المزيد؟
هل سيظل عالمي هادئًا؟
أم أن الأفضل أن أختبئ تحت الغطاء وأترك العالم يمرّ دوني؟
كانت تلك الأسئلة تلتهم قلبي ببطء.
أسئلة عن المستقبل… عن الخوف… عن الضياع.
ومع ذلك، وسط كل هذا الضجيج، كان هناك صوت خافت بداخلي يهمس:
دع الأشياء تحدث كما تشاء.
فما سيأتي، سيأتي… وما كُتب، لا يمكن الهروب منه.
وهكذا… بدأ اليوم.
بثقلٍ في الصدر، وفضولٍ في الروح، وخطوة أولى نحو فصلٍ لم أعرف بعد كيف سينتهي.