b78989

نزل البارت السادس .

b78989

عندما يتبدى المطر في أفق السماء، يشرع أول الأمر كأنغام رقيقة تنساب برفق، تلامس الأرض برشاقتها كهمسات الهوى. ومع ذلك، ومع مرور الوقت، تتغير تلك الأنغام إلى لحنٍ آخر أكثر شراسة.
          
          تتجمع السحب في عنادٍ فوق رؤوسنا، وتتشابك خيوط العواصف، فيتفاقم الضجيج ليصبح كهديرٍ متعاظم. تصبح القطرات كالأحجار الهاطلة، تنقضّ على الأسطح بفعل جاذبية الأرض، مُحدثةً ضجيجًا ينفطر له الصدر. تشتد وطأة العواصف، ويغدو صوت المطر كالرعد المتلاحق، يضرب الأرض بقوةٍ فتتراءى كأنها صرخات من أعماق الغيم.
          
          تتساقط المياه من السقف كطلقات نارية، ويعمّ الهواء بعبق الأرض الرطبة، لكن وسط ذلك العبق، يتداخل الصوت المتزايد لتكون الأصوات كعزفٍ شجاع، حيث تختفي الهمسات في صدى الانفجارات العنيفة. يصبح صوت المطر مُهيبًا، يحمل طيات من الخوف والقلق، كأن الطبيعة تُعلن حالة من الطوارئ، حيث تُفجر الشوارع بفيضٍ من المياه، وتتشكل البرك كعيونٍ غاضبة تُواجه سطوة السماء.
          
          في هذه اللحظات الحرجة، يدرك المتأمل أن المطر لم يعد مجرد ظاهرة طبيعية، بل هو تجسيد لمشاعر متناقضة، يتراوح بين الحنان والقسوة، كحياة الإنسان أحيانًا، يحمل في طياته الذكريات الأليمة، ويشعل الفوضى في النفوس، لكنه في ذات الوقت يزرع بذور الأمل في ثنايا المآسي.

b78989

          “في خضم العواصف المطيرة، تتناغم حبات المطر كأنغام الربيع في قلوبنا. الكتابة تحت هذه الأجواء، كأنها تذويب الأحاسيس في أقبية الشوق، حيث تتراقص الكلمات كأسرار مرسومة على ورق الزمن. إن هذه اللحظات، التي تتشربها الأرواح بعبق العزلة، تُمنح الكلمة طعماً من الندرة، فتتجلى المعاني في نسيج الحروف كأنها تنسج من أهداب الغيم. تتبدى الصفحات كلوحات مُعَذَّبة، تحمل في طياتها فصوصَ السكون ونفحات الأمل، لترتسم على مداد الحرف بليونة العواطف وتغلغلها في أبعاد الكون.”