cordeliaspotion_

The evil it spread like a fever ahead
          	It was night when you died, my firefly
          	What could I have said to raise you from the dead?
          	Oh could I be the sky on the Fourth of July?

cordeliaspotion_

Sitting at the bed with the halo at your head
          	  Was it all a disguise, like Junior High
          	  Where everything was fiction, future, and prediction
          	  Now, where am I?
          	  My fading supply
Reply

cordeliaspotion_

Well you do enough talk
          	  My little hawk, why do you cry?
          	  Tell me what did you learn from the Tillamook burn?
          	  Or the Fourth of July? 
          	  WE'RE ALL GONNA DIE
Reply

cordeliaspotion_

The evil it spread like a fever ahead
          It was night when you died, my firefly
          What could I have said to raise you from the dead?
          Oh could I be the sky on the Fourth of July?

cordeliaspotion_

Sitting at the bed with the halo at your head
            Was it all a disguise, like Junior High
            Where everything was fiction, future, and prediction
            Now, where am I?
            My fading supply
Reply

cordeliaspotion_

Well you do enough talk
            My little hawk, why do you cry?
            Tell me what did you learn from the Tillamook burn?
            Or the Fourth of July? 
            WE'RE ALL GONNA DIE
Reply

cordeliaspotion_

عند مقهى "شتاينهوف" القديم في آخر شارع مارياهيلفر الممتد حتى الساحة الكبرى والمطلّ على كاتدرائية سانت ستيفن، بدا الداخل دافئًا رغم برد شباط.
          دفع الشاب باب المقهى الخشبي الثقيل، فارتجّت الأجراس الصغيرة المعلّقة في أعلاه بنغمة قصيرة رنّت في فضاء الصالة. تسلّلت معه موجة من الهواء البارد، ثم انغلقت الأبواب خلفه لتُعيد للمكان سكينته ودفئه المعتاد. توقّف لحظة عند العتبة، بعينين تلتقطان تفاصيل الداخل كما لو أنّه يدخل عالمًا آخر.
          كان الداخل يفيض بدفءٍ خاص، كأن المقهى قد خُلق ليقاوم قسوة شباط. الأضواء الذهبية المتدلية من السقف أرسلت خيوطها الناعمة على الطاولات الخشبية الصغيرة، فانعكس لمعانها على الفناجين البيضاء المرصوصة بعناية. رائحة القهوة الطازجة امتزجت بخفّة مع رائحة الفانيلا والدخان الباقي من مدفأة قديمة في الزاوية، مما منح المكان مسحة حنينية يصعب وصفها.
          عند الطاولة القريبة من النافذة جلست امرأة في منتصف الثلاثينيات، ألقت معطفًا أحمر فوق كتفيها برشاقة، وأسدلت شعرها الداكن على جانبي وجهها، فيما بدا أحمر شفاهها القرمزي يلمع تحت الضوء الخافت. حذاؤها الجلدي الأسود المصقول بدا متناسقًا مع حقيبة صغيرة وضعتها إلى جانبها، وكانت بين حين وآخر ترفع فنجان القهوة ببطء، كأنها تؤدي طقسًا مقدسًا.
          غير بعيد عنها، جلسا زوجان عجوزان يتقاسمان جريدة، لم يبدُ أن الأخبار تشغلهما كثيرًا بقدر ما يشغلهما بقاء أصابعهما متشابكة. أصداء حركة أوراق الجريدة، وصوت الملاعق الصغيرة وهي تصطدم بحواف الفناجين، امتزجت في سمفونية هادئة، يرافقها خرير آلة القهوة خلف المنضدة كأنه موسيقى صباحية.
          كان كل شيء في المقهى ينطق بالسكينة النوافذ الكبيرة التي تطل على الشارع شبه الخالي، المقاعد الخشبية المحاطة بوسائد مبطّنة بلون بني غامق، وحتى الزخارف القديمة على الجدران التي حملت ملامح فيينا القديمة، كلها بدت وكأنها تحكي حكاية مدينة ترفض أن تفقد دفئها.
          خطا الشاب ببطء، متجهًا إلى طاولة قرب النافذة الواسعة التي تكشف جزءًا من الساحة. خلع معطفه الصوفي الثقيل وعلّقه إلى جانب الكرسي، ثم جلس بانحناءةٍ هادئة وكأنّه يحاول أن يندمج مع دفء الصالة. لم يطل انتظاره حتى اقترب نادل في منتصف العمر، بابتسامة مهنية ودفتر صغير بين يديه.

cordeliaspotion_

طلب الشاب قهوة فيينية تقليدية، يعلوها طبقة كثيفة من الكريمة المخفوقة، ومعها شريحة كيك شوكولا مزخرفة بخطٍ رفيع من الشوكولا البيضاء و الفراولة. بعد دقائق، وُضع أمامه صحن أبيض أنيق، يتوسّطه الكيك المغطّى بالشوكولا اللامعة وإلى جانبه غمامة بيضاء من الكريمة التي تعلوها رقائق شوكولا مبشورة، فنجان قهوة أبيض صغير ذو حواف رقيقة، بدت البنية في داخله كسوادٍ صريح يحتضنه البياض. تصاعد البخار بخطوط هادئة، وانتشرت رائحة البن المحمّص في الهواء ،
            أمسك بالمعلقة الصغيرة، وتركها تغرق قليلًا في الكريمة، قبل أن يرفعها إلى فمه. في تلك اللحظة، بدا وكأنّ دفء المكان كله يتركّز في رشفةٍ واحدة.
            كانت الساعة ما تزال باكرة، لذلك لم يكن المارّة كُثُر. خلف البخار المتصاعد من أنفاس المدينة، لمح عامل النظافة وهو يدفع عربته المعدنية ببطء، يكنس بقايا أوراق مبتلة التصقت بالأرصفة. على الجانب الآخر، عبرت سيدة مسنّة بخطوات متثاقلة تحمل كيسًا ورقيًا صغيرًا،توقّفت طالبة بظهرها حقيبة زرقاء لتعدل معطفها قبل أن تكمل طريقها بخطوات مترددة. وعلى زاوية المقهى ظهر بائع متجول يجرّ عربة صغيرة مغطاة بقماش، يعلوها صندوق تفاح أخضر وكراتين من الليمون. بينما توقّف شاب يوزّع الجرائد عند زاوية الطريق، يضع رزمة منها أمام متجر مغلق بعد.
            كان الشارع يكاد يخلو من الضجيج المعتاد، سوى من وقع خطوات متفرقة وصوت بعيد لترام يمرّ عند مفترق آخر. تلك العزلة الصباحية بدت له كستارٍ رقيق يتيح له مراقبة التفاصيل الصغيرة: لمعان قطرات المطر العالقة على حجارة الطريق، انعكاس الأضواء الباهتة على البرك الصغيرة، والهدوء الغامض الذي يسبق امتلاء المدينة بحركتها الصاخبة، أخذ الشاب رشفة أخرى من قهوته، أدفأته قليلًا، ثم ترك نظره يسرح خارج المقهى. لم يكن يفكّر بشيء محدد، فقط يراقب التفاصيل الصغيرة، وكأنها وحدها تكفي لملء هذا الصباح البارد.
Reply

cordeliaspotion_

إنجلترا، لندن. شباط ، الثامنة صباحًا، الحي التاسع، أمام البناية رقم 12 المطلة على شارع ضيق مرصوف بالحجارة، مضاء بمصابيح غازية قرب ميدان بيكاديللي.
          
          المدينة ما زالت تكتسي ببرودتها الصباحية، والضباب يتشبث بجدران المباني العتيقة كما لو أنه لا يريد الرحيل. الأرصفة مبتلة من مطر الليل، والهواء مشبع برائحة الطين والحجارة الرطبة. في الشارع الضيق الممتد من ساحة شتيفان حتى الجسر الحجري القديم، بدت الحركة خافتة، خطوات قليلة هنا وهناك، وضحكات متقطعة من مقهى يفتح أبوابه على استحياء.
          خرج الشاب ذو الشعر الأشقر من البناية رقم 12. معطفه الداكن ينسدل على كتفيه، تحته سترة صوفية بلون كحلي، وبنطال قماشي يضيق عند الكاحلين حيث يستقر حذاء جلدي أسود لامع من أثر البلل. يلتف حول عنقه وشاح سميك بلون فحمي، يخفي جزءًا من ذقنه.
           كان يمشي بخطوات متأنية، كأن الطريق أطول مما هو عليه. في يده حقيبة جلدية قديمة، يضغط على مقبضها كأنها تحمل سره الأثقل.
          مرّ أمام المخبز الذي بدأ عماله في ترتيب أرغفة الخبز على الرفوف. رائحة الخبز الساخن تسللت إلى صدره، لكنها لم توقفه. اكتفى بأن يبطئ خطواته لحظة، ثم واصل السير.
          عند الزاوية، كان مقهى ضيق تتدلى من واجهته مصابيح صفراء تبث وهجًا وديعًا. توقّف عند بابه، ودخل ليستقبل بأنفاس القهوة الطازجة ورائحة زبدة ذائبة. طلب فنجان إسبريسو كثيف وكعكة لوز صغيرة يعلوها مسحوق سكر أبيض. خرج وهو يضم الكوب بيديه كأنه يستمد منه الدفء، فيما الكعكة مستقرة في طبق ورقي خفيف يرفرف مع نسيم الصباح ثم انطلق بخطوات متئدة نحو الجسر.
          الجسر لم يكن بعيدًا. جسد حجري عريض، تحرسه تماثيل صغيرة على جانبيه، وتحت أقدامه يجري النهر بلون داكن، يعكس السماء الغائمة كمرآة كسيرة. جلس على مقعد خشبي ملاصق للسور المعدني، ومسح بكفه قطرات الماء المتجمعة فوقه.
          رفع الفنجان بهدوء، وترك البخار الدافئ يلامس وجهه قبل أن يجرع أول رشفة، كأن الحرارة تسري في داخله ببطء، تناول قضمة هادئة من الكعكة، وترك حلاوتها تمتزج مع مرارة القهوة، في توازن صامت لم يمنحه سوى لحظة قصيرة من السكينة. أخرج دفترًا صغيرًا من حقيبته، أوراقه مشبعة برائحة قديمة، وحوافها مثنية كأنها عاشت معه أكثر من مكان وزمان.

cordeliaspotion_

فتح الدفتر، وأمسك قلمًا أسود. لحظةً ظل يحدق في صفحة فارغة، ثم رفع عينيه نحو النهر. الموج الخفيف كان يضرب الجسر بصوت متكرر، كإيقاع يذكّره بشيء قديم. رفع القلم، وبدأ يرسم. لم يكن يرسم وجهًا ولا جسدًا، بل خطوطًا متعرجة تتداخل، أشبه بظلال الماء نفسها. خطوط تتشعب ثم تعود لتلتقي، كأنها خريطة بلا بداية ولا نهاية.
            كلما تقدمت يده على الصفحة، بدا كأنه يغوص أكثر في الداخل. أحيانًا يرفع عينيه ليراقب انعكاس الضوء الباهت على سطح الماء، ثم يعود ليترجمه بخطوط مترددة. لم يكن الرسم فنًا، بل محاولة لفهم شيءٍ عالق بين قلبه والعالم.
            الهواء كان بارداً بما يكفي ليجعل أنامله ترتجف، لكنه لم يتوقف. دفاتره لم تكن مليئة بالرسومات الجميلة، بل بالبحث عن جمالٍ لا يكتمل. على الجسر، بين صوت النهر وصمت المدينة، كان يرسم وحده، كما لو أن الرسم طقسٌ يعصمه من التلاشي.
            وبينما انشغل في تلك الخطوط، مرّ الوقت ببطء. لم يرفع رأسه حين عبر المارة، ولم يلتفت إلى العجلات المعدنية للدرجات وهي تضرب الأرض. ظل غارقًا في عالمه الضيق، وفي صفحة بيضاء لم تعد بيضاء
Reply

cordeliaspotion_

روسيا، سانت بطرسبورغ. كانون الثاني، الساعة العاشرة والثلث مساءً، حي فاسيليفسكي، ردهة فندق أورورا المطلّ على نهر نيفا.
          في ليلةٍ تميل إلى البوح العابر، حيث لا انتظار ولا مطالبة، التقيا صدفةً في زاوية هادئة من ردهة فندق مترامي الأطراف، عند النقطة التي ينسحب منها العالم إلى غفلته. هناك، تحت قمرٍ يفيض ضوءه كدمعةٍ بطيئة تتساقط من السماء، تناثرت كلماتهما كما لو كانت موسيقى سرية تذوب في صخبٍ خافت: رنين أوانٍ وكؤوس، همسات العابرين، ارتطام عجلات الحقائب بالأرض، ونغمات بيانو تحاول ذاكرة أحدهما أن تستحضر اسمها دون نجاح، بينما بدت عازفته من بعيد كنجمة معلّقة فوق المسرح تؤدي مقطوعة قديمة لشوبان، تتهادى أنغامها في المكان كأنها تنبعث من ذاكرة بعيدة.
          أمامهما استقرت فناجين قهوة داكنة، يعلوها بخار خفيف يعبث بالهواء، وبجانبها صحون صغيرة تحتضن مربعات شوكولا مُرّة وكعكة لوز دافئة تقاوم برودة الليل. كان طعم القهوة ثقيلاً بما يكفي ليمنح الكلام كثافة إضافية، كأنها تفرش صمتاً ممهوراً بالعمق بين كلمةٍ وأخرى. أصابعه كان يلفها حول الفنجان كأنه يستمد منه دفئاً، فيما راحت هي ترسم دوائر صغيرة على حافة الكوب بسبّابتها في حركة لا واعية، كأنها تبحث في تلك اللمسة عن إيقاعٍ يوافق أفكارها المبعثرة.
          خارج الفندق، كان البرد يعضّ الأرصفة بهدوء، والريح تمرّ كوشوشة عابرة تحمل معها رائحة ثلجٍ قادم. من خلف الزجاج الواسع للردهة، بدت الشوارع فارغة إلا من أعمدة إنارة تصبّ نوراً شاحباً على الطرق المبتلة، فيما تساقطت قطرات مطر متقطعة، تُحدث تموّجات دقيقة على برك صغيرة تراكمت في زوايا الطريق.
          الهواء نفسه كان محشواً بإحساس الرحيل والقدوم، كأن الأرواح المعلقة حول الطاولات اختارت أن تظل مجرد متفرجين في برزخٍ لا يعرف أسماء. هما أيضاً، لم يربطهما سوى طاولة صغيرة تستضيف قهوتهما، وحوار باذخ العبثية يتدفق بجنون كرشاش مطرٍ لا يهدأ حتى يتسلل الفجر من وراء الزجاج. وفي فواصل الصمت، اتكأت الأغنيات على قلبيهما الممتلئين بالسكينة والحلم، كأن الحياة بأكملها لم تُصنع إلا لتلك اللحظة.

cordeliaspotion_

ما كان يحدث بينهما ليس حباً ولا وعداً، بل شعور أوليّ أحمق، لا يزال يتخلق في رحم الكون، ويقطع مسافة ملايين السنين الضوئية ليشتعل بينهما الآن، في هذه الليلة البطيئة. لم يكن ثمة شيء يُنتظر، ومع ذلك أطَلّ دوار خفي يعبث بخفقانهما، يذكّرهما أن السماء حين يطلع النهار ستفترشها غيوم بيضاء نقية، كأنها تبشّر باحتمالات لا حصر لها. ليلة كهذه لا تمنح يقيناً، لكنها تجعل كل شيء قابلاً لأن يحدث
Reply

cordeliaspotion_

في ردهة فندق الماجستيك، حيث الجدران تلمع ببرودة الرخام، يجلسان متقابلين عند طاولة صغيرة تتحدى الفراغ الكبير. الهواء مشبع ببرودةٍ متسللة من الأبواب الزجاجية، وكأن الشتاء نفسه قرر أن يرافقهما إلى الداخل. عازفة البيانو هناك، في الزاوية، تترك نغماتها تتدلى في الفراغ مثل خيوط ثلج تذوب ببطء.
          كانت هي أشبه بغانيةٍ ضجرة من كل ما حولها، لكنها لا تزال تملك في نظراتها شيئًا يبعثر الطمأنينة في قلب من يجرؤ على التحديق طويلًا. أصابعها ترتجف قليلاً فوق فنجان القهوة، وكأنها تبحث عن دفءٍ ضاع منها منذ زمن. أما هو، فبدت ملامحه مترددة، كأنما جاء إلى الطاولة صدفة، لكنه لم يجد سببًا واحدًا للمغادرة.
          
          الصمت بينهما لم يكن صمتًا كاملًا؛ كان أقرب إلى وشوشةٍ خفية تختبئ بين نبرات الموسيقى وارتطام الأكواب. وبين حينٍ وآخر، يتسلل سؤال غير مكتمل من جانبه، أو تعليق عابر منها، فيتمدّد الزمن وكأن الدقائق تذوب مثل ثلج على زجاج النافذة.
          وكلما رفع رأسه نحوها، بدت له أقلّ وضوحًا وأكثر غرابة، كأنها انعكاس هشّ في مرآة ضبابية. ومع ذلك، كان ثمة يقين غامض يجمعهما في تلك اللحظة: أن البرد القارس خارج الفندق لن يكون أرحم من ذلك الدوار الذي يعبث بقلبيهما في الداخل.

cordeliaspotion_

كان يدرك، في مكانٍ ما من روحه، أنّ تلك اللحظة لا تشبه سواها. ليس لأن الفندق العتيق، الماجستيك، يمنح كل شيء مسحة مسرحية، ولا لأن العزف البعيد يشدّ ملامحهما نحو الحلم، بل لأن في حضورها ارتجاجًا خفيًّا، كأن الزمن نفسه يميل ليصغي.
            
            هي، تلك الغامضة التي تشبه لغزًا يرفض أن يُحلّ، لم تكن تحتاج إلى كلمات كثيرة؛ مجرد حركة عينيها كانت كافية لتشعل ارتباكه. لم يكن يرى فيها أنثى عابرة على طاولة مقهى، بل طيفًا يعرف تمامًا كيف يوقظ الأسئلة الكبرى في داخله. وما أغرب أن يشعر بأن لقاءً عابرًا في برد ليلة شتوية قد يتحول إلى علامةٍ عميقة في كتاب حياته.
            
            أما هي، فكانت تترك له المجال ليظن أنه يقرأها، بينما في داخلها تتكدّس حكايات لم يلمسها أحد. كل ابتسامة لها كانت مثل ستار يُفتح قليلًا ليكشف عن مسرحٍ أوسع، ثم يُسدل بسرعة. في يدها ارتجاف خفيف، ليس من البرد فحسب، بل من حدسٍ يتسرّب إليها بأن هذه الطاولة، وهذه اللحظة، ليست بريئة على الإطلاق.
            بين رشفات القهوة وصوت الكراسي تُسحب في الردهة، كانا يقتربان من صمتٍ مختلف، صمت يلد داخله احتمالات لم يُفصح عنها أحد. دوار غامض، مزيج من دفءٍ مباغت وبردٍ يلسع، كان يتمدد بينهما كما لو أنّ أرواحهما تتعارف قبل أن تفعل الألسنة.
            كان هو يظن أن الفجر سيوقظ كل شيء ويبدّد هذا السحر، لكنها، في عمقها، كانت متأكدة أنّ الغيوم البيضاء غدًا ستبدو لهما مختلفة، كأنها وُلدت خصيصًا لتغطي على ما بدأ هذه الليلة.
Reply

cordeliaspotion_

كانت الطرقات شبه خالية، إلا من سيارات قليلة تمر على فترات متباعدة في زاوية أحد الشوارع، كانت هناك مكتبة صغيرة، أضواءها ما زالت مضاءة رغم تأخر الوقت توقفت أمام الواجهة الزجاجية، تأملت العناوين المتراصة على الرفوف. بدا المكان دافئا مختلفا عن برودة الشارع الخارجي.
          دفعت الباب الخشبي بهدوء، فصدر عنه صرير خافت.
          
          كان هناك رجل يجلس خلف الطاولة، منهمكا في قراءة كتاب قديم
          رفع رأسه ونظر إلي للحظة، ثم عاد إلى قراءته وكأن حضوري لم يكن مفاجئاسرت بين الرفوف، لم أكن أبحث عن شيء محدد، فقط أتنقل بين العناوين ألمس الأغلفة كما لو كنت أستطيع الشعور بحكاياتها قبل أن أقرأها مررت بأصابعي على غلاف كتاب يحمل عنوانًا مألوفًا، تذكرت أنني قرأته قبل سنوات لكنني لم أعد أذكر تفاصيله. سحبت الكتاب ببطء، فتحته على صفحة عشوائية، وبدأت أقرأ.
          
          "البحث عن إجابات لا يعني أننا سنجدها، لكنه يمنحنا
          سببا للاستمرار." 
          
          ابتسمت. وكأن الكلمات وجدتني بدلا من أن أبحث عنها. أغلقت الكتاب، حملته معي إلى الطاولة، دفعت ثمنه، ثم خرجت إلى الشارع مجددا. الليل ما زال
          طويلا، لكنه لم يعد يبدو فارغا كما كان
           عندما خرجت، كان الهواء أكثر برودة، وكأن المدينة استيقظت قليلا رغم بقائها صامتة. سرت بخطوات بطيئة
          أستمع إلى وقع قدمي على الإسفلت الرطب. لم يكن هناك شيء مستعجل، لم يكن هناك شيء مؤكد
          عند الجسر الحجري القديم، توقفت وقفت أنظر إلى النهر الذي يعكس أضواء المصابيح كفسيفساء من نور يتراقص فوق الماء.
          
          لطالما كنت أجد في هذا المكان راحة غامضة، كأن المياه تحمل أسرارًا لا يمكن البوح بها، لكنها تبقى هناك تنتظر من يفهمها دون أن يسأل.

cordeliaspotion_

أتوقع هذا أجمل شي كتبتوا فحياتي3"
            -تعدل النظارات-
Reply

cordeliaspotion_

لحظة مغادرته تركني أتابع حركة المقهى من حولي: بخار القهوة يتصاعد كأحلام صغيرة، ورائحة المخبوزات تملأ الأرجاء؛ سينامون رول يذوب بسكر القرفة، خبز محمص يفوح بحرارة الأفران، وأطباق موزعة بعناية وكأنها دعوة للبقاء أطول. الكراسي مغطاة بوسائد قطنية طرية، وعلى كل طاولة تنتصب مزهرية زجاجية صغيرة تحمل وردًا نديًا يضيف حياة جديدة إلى المشهد.
            حين وضع الطلب أمامي، انبعث بخار القهوة الساخن كغمامة صغيرة تحاول أن تذيب برودة الخارج، فيما بدا الكرواسون كأنه دعوة إلى الطمأنينة أكثر من كونه مجرد طعام. أخذت رشفة أولى، كان طعمها قويًا، يلسع اللسان قليلًا لكنه يوقظ شيئًا خامدًا في الروح. كسرت قطعة صغيرة من الكرواسون، وتركته يذوب على لساني مع الحشوة الحلوة، وكأن المطر بالخارج وجد امتدادًا له في هذا المذاق الدافئ..
            
            التصقت نظراتي بالزجاج الكبير الذي يفصلني عن الشارع. العابرون يمرون مسرعين، مظلاتهم تفتح وتغلق كأجنحة طيور مرتبكة، كل واحد منهم يحمل قصته الخاصة. بعضهم يضحك، وبعضهم يسرع بخطوات متوترة، وآخرون يبدون وكأنهم جزء من اللوحة الرمادية التي يرسمها المطر. لم أحاول أن أقرأ ملامحهم بقدر ما اكتفيت بأن أترك عيني تتبعهم، وكأنهم حروف عابرة في كتاب مفتوح أمامي.
            
            في تلك اللحظة لم يكن ثمة شيء يُطلب أكثر: فنجان قهوة، مطر ينساب برفق، وهدوء يتسلل إلى داخلي كأنه وعدٌ قصير الأمد.
Reply

cordeliaspotion_

أغلقت الباب خلفي بهدوء، تاركا خلفي صمت البيت الثقيل. كان الهواء مشبعًا برائحة المطر الأولى، تلك الرائحة التي تختلط فيها الأرض المبتلة بأثر أوراق الأشجار الخضراء. الشارع بدا كلوحة يغمرها الضباب الخفيف، والمصابيح المنتشرة على جانبيه تعكس ضوءها على الأسفلت المبلل، فتتشابك الألوان بين الأصفر والرمادي وكأنها امتداد لعالم غير واقعي. كنت أخطو ببطء، أتابع قطرات المطر وهي تتساقط من حواف الأسطح إلى الأرصفة، وأحيانًا أرفع يدي لأسمح لقطرة باردة أن تلمس جلدي. لم أكن في عجلة؛ الطريق بحد ذاته كان طقسًا صغيرًا من الهدوء، يُهيئني للوجهة التي أعرف أنني أجد فيها سكينتي.
            
            حين وصلت أمام المقهى، شعرت أن المكان يفتح ذراعيه لي. لم يكن مجرد مقهى، بل ملاذ صغير يحتضن الدفء في تفاصيله. الجدران مطلية بألوان هادئة، تعكسها أضواء المصابيح الصفراء المعلقة، تنثر على الطاولات الخشبية المستديرة ظلالًا ناعمة ومرحبة. في الزاوية، يدور جهاز أسطوانات قديم بإيقاع بطيء، صوته الخافت يتماهى مع وقع المطر على الزجاج، فيصنعان معًا موسيقى تشبه الذكريات.
            
            دخلت وجلست عند الطاولةالمعتادة تلك الطاولة القريبة من النافذة حيث يمكنني متابعة المطر وهو ينهمر برفق، قطرات صغيرة تتسابق على السطح الشفاف ثم تلتقي وتنحدر في خطوط طويلة كأنها تكتب على النافذة رسائل سرّية لا يقرأها أحد. وضعتُ الشال على طرف الكرسي وأرخيت معطفي قليلاً، ثم جاءني النادل بابتسامة هادئة وسأل عما أريد. لم أحتج إلى التفكير طويلًا؛ اخترتُ لنفسي فنجان قهوة سوداء، داكنة وحلوة قليلا تماما كما أحب، ومعها قطعة كرواسون محشية، ذهبية اللون، تفوح منها رائحة الزبدة الدافئة والسكّر الذي يذوب ببطء في الحشوة.  
Reply

cordeliaspotion_

أبغى رواية تشدني، أي ترشيحات؟ 

90_free

@cordeliaspotion_  
            هناك وسادة من عشب و بوتشان و سلسلة شيرلوك هولمز.
Reply

foxx114

@cordeliaspotion_ 
            ما كنت ادري انها انت
Reply