Rojina26
كان الليل يُفرغ أحشاءه فوق رأسي، لا كستارٍ وديع، بل كوحشٍ ينزف ظلامًا قطرة قطرة. لم يكن مجرّد غيابٍ للشمس، بل غيابٌ لكل شيء اعتدت أن أراه جميلاً. اللون، المعنى، الرجاء... كلّها انمحت، وتركَتْني وسط العتمة أغرق.
السواد لم يكن حولي فقط، بل فيّ. كان يسكنني، يتكاثر في صدري، ويصبغ ملامحي بلونه القاسي. شعرت كأنني تحوّلت إلى ظل، لا روح فيه، لا ملامح له، سوى انكساراتٍ خرساء.
كأن الخراب اختارني موطنًا. تنهال النيازك على أضلعي، لا كنجومٍ حالمة، بل كطعنة لا تنتهي. تتصادم مجرات الذكرى في داخلي، فينفجر الألم مرارًا دون هوادة. لم يعد قلبي يحتمل، ولم تعد دموعي تكفي.
كنتُ تحت السماء، لكنني لم أكن أنتمي لها. كنتُ الأرض المنسية، الركن الذي تراكم عليه الغبار، وأنا فيه أحمل ذنوبًا لا تُغتفر، لمن كنتُ، ولمن تمنّيت أن أكون.
وميضٌ غريب لمع في عينيّ، لم يكن ضوءًا، بل مرآة. رأيت فيها تلك الفتاة التي خدعت نفسها، التي ظنّت أن التغيير ممكن، وأن الطهر خيار. لكنّها... سقطت. لم تُغيّر نفسها إلا للأسوأ، وسلّمت قلبها للسواد حتى صار جزءًا منها.
تقاتل في داخلي حروبٌ لا تهدأ، وتتنازعني ظلالٌ لا تُرحم. العذاب أصبح لغتي، والظلم وطنًا. وما أقسى أن تكتشف أن كلّ ما ظننته نقاءً، لم يكن سوى قناعٍ هشّ، سقط حين لمسته الحقيقة.
وأفدح ما في الأمر؟ أنني ما زلت أبتسم أحيانًا، كأن شيئًا لم يكن، كأنّ الخواء في صدري لا يصرخ.