جُوناثِن رُومَانوف

بغشاء.
          مُحاطة بِغشاء جليدي هي مشاعري.
          فلا أذوق نعيم فرطها، ولا جَحيم إنعدامها.
          بين الشعور وعدمه أنا، بين حُبها وعدمه، كُرهها وعدمه.
          بين شعوري بِطهري وفجوري ولست هذا ولا ذاك.
          بين استقامتي وانحرافي ولست مُستقيم وأعي ذلك شدة الوعي لكنني اتغاضى.
          علّ فتوري نتيجة تغاضيّ المُستمر عن حقيقة شعوري، عن حقيقتي، وَزيفي بالأوان ذاته.
          لستُ مُغرم، هاوٍ أنا هاوٍ على سَطح الهاوية، فلا أكسبُ نفسي ولا أخسرها.
          مُعلق بحبال مُهترئة بين السماء والأرض، فلا أُحسب من المُحَلقين ولا المطمورين.
          لا أشعُر بسكينة المطمئنين ولا ضجيج المفجوعين.
          بين هذا وذاك أنا،
          بين الوجودية والعدمية أنا، 
          بين أنا واللاأنا.
          

كلماتك ليست مجرد حروفٍ، ولا كتاباتٍ عابرة تُلقى كيفما وجدت، بل هي نبضٌ يوقظ فيَّ طبقاتٍ خفيّة من التفكير. كل جملةٍ تنفتح كنافذة إلى معنى آخر، وكل سطرٍ حين أعيده يتكاثر في ذهني كالمرايا، يعكس فكرةً جديدة ثم أخرى، في سلسلةٍ لا نهاية لها من التأمل.

اعزف الكلمات لا الألحان.
          اعزف كلاهما. اعزف حتى انعدام الكلام. 
          انا جوناثن السيء الجيد.
          اعلق بالذهن كلحن، كمعزوفة لا منتهية، كوشم نقش على انثنائات الدماغ الوردية الشاحبة.
          طعمي حلو مر. 
          حساسٌ انا لكن بلا قلب. عاقل بلا تعقل، ومتغابي وليس بي ذرة غباء.
          بارد طبعي وليس بي ذرة من البرودة
          بل تنهشني نار دواخلي
          ينهشني صوت عقلي، تهربي، انعزالي، ضميري وانعدامه، عمقي وسطحيتي الخانقة بالأوان ذاته.
          ينهشني جُلي؛
          فأنا الشيء وضده
          الصوت، والصمت
          القوة، والضعف 
          الاندفاع و
          ليس عندي ضد الاندفاع 
          علّي الاندفاع كإنسان
          علّي مجرد كيان
          وان يكُن
          مهما كُنت ومهما سأكون يومًا
          لستُ أُنسى انا 
          لستُ مهجور من الاذهان
          وكفى.
          
          
          

لا اعي من انا وعلّي لم اعي يومًا.
          احدق بسقف غرفتي مجددًا، بعثرة الاوراق من حولي، بعثرة ملابسي، بعثرة جُلي. لم يكن اي منها يشبهني. لم اكن أشبهني. لم اكن انا. ملامحي مهترئة كما دواخلي، واقول انني تغيرت، اي تغير به اهذي؛ فالهراء هرائي، والفراغ فراغي. هذا انا جوناثن، انا واطباعي السيئة، ومزاجي الحاد، اعيني الخاوية، وحيادي عن طريقي. وجدت طريقي لكنني تركته. لم احتمل الاستقامة. الهراء يملؤني لاقصى قدمي. لكنني استمر باختياره.

ها انا مُجددًا أَقف على الحافة، بجوٍ يُغطيه الدخان المتصاعد من سجائري، حيرتي بأمري، خصلاتي التي عادت للونها البني الفاتح، والأسود الذي لا يزال يشكل ملبسي، الأضطراب يسحق دواخلي، وكوب القهوة المشارف على الإنتهاء يعلو منضدتي، آثار الأرق تُغطي مَلمحي، والرغبة بالرحيل لازالت تَكسوا أيسري.
          
          

لم يكن يملأني الحُب او تكسوني المُحبة، لقد كنت كارهًا للآخرين تُغرقني الغبطة للقياهم.
          ثم استوقفني سؤالي لذاتي أحقًا انني كاره للآخرين؟ ام اني اخشى الحُب والمحبة، اخشى ان تكسوني الرقة فألين، وانكسر، اندثر، فأغرق مُجددًا بالهاوية، الستُ غارقًا بها مُنذ الأزل؟ ما بالي أُراجع قراري بالخواء، أهو ما يُبقيني بالهاوية، ربما ليس التحليق ولا الغرق هما الحل، ربما السلام والإستسلام هما الحل؟

بعيدًا عن ذاتي، وقريبًا منهم، لأ أعيني، وأَعيهم، أُجيدهم، اتقنهم، واحفظهم شدة الحفظ -ويحاولون العبث بِرفقتي- الأمر مُثير للسخرية.

إن المنطق يدعو للامنطقية.

قَبلني بشدة قَبل أن تذهب، قبلني حتى أشعر أن شفاهنا نُسجت ببعضها فأضحت واحدة، قبلني حتى غروب شمس الشتاء، وشروق شمس الصيف، قبلني ودعنا نتشارك الحب، قبلني ودعنا نتشارك بعضنا كما إعتدنا أن نفعل، قبلني وأحييني، أو قبلني وأميتني، قبلني فقط إفعل.

أُجيد قَول الهِراء كثيرًا.