nageiw7
يا لِهٰذا الغِيابِ…
مرَّ ثلاثةُ أشهرٍ وسبعةُ أيّامٍ منذ آخرِ زيارةٍ لك، تلكَ التي انتهت بي على سريرٍ أبيضَ في غُرفةِ طوارئ، أتشبَّثُ بالحياةِ كما كنتُ أتشبَّثُ بكَ دومًا…
أشعرُ بالضَّعفِ من دونكَ، كأنَّني أمشي على قدمٍ واحدةٍ، أو كأنَّ ظهري قد انكسرَ ولم يَعُد لي سندٌ أتكئُ عليه…
سندٌ كنتَ أنتَ…
كنتَ ظهري، وأماني، ورَجفةَ قلبي حين أطمئنُّ.
وقعتُ في مصيبةٍ البارحةَ، مأساةٍ صغيرةٍ في بحرِ هذا الجحيمِ، لكنَّها ذكَّرتني بك…
بحثتُ عنك، بين نِداءاتي، في الليلِ، في الهاتفِ، في الهواءِ، في الرُّكام…
كنتُ مُعتادةً أن أهرعَ إليكَ كلّما ضاقت، كلّما اختنقت، كلّما جُرحت…
أمّا الآن، فمَن لي سِواكَ ولا سبيلَ إليك؟
لا أحدَ… لا أحدَ يُربّتُ على رأسي، لا أحدَ يقفُ أمامي كالدِّرع، لا أحدَ يقولُ لي "أنا هنا"، ويَعنيها.
لم يَعُد الأمانُ يتسلّلُ إلى روحي كما كان…
أشعرُ أنَّ كلَّ الجهاتِ قد تجرحني يومًا ما، وكلَّ الأصواتِ قد تطعنني، وكلَّ الوجوهِ قد تخونني…
وأسوأُ ما في الأمر؟
أنَّكَ لستَ هنا لتُدافعَ عنّي كما كنتَ تفعل…
لستَ هنا لِتردَّ عنّي السوء، وتُربِك الشرَّ، وتُربكني بحنانِكَ.
أشتاقُ لك…
أشتاقُ لك حتّى يختنقَ صدري، حتّى تتورَّمَ عيناي، حتّى أفقِدَ القُدرةَ على الكلام.
لكنَّني… أعلم.
أعلمُ أنَّكَ في مكانٍ أفضل، حيثُ لا قصفَ، لا بردَ، لا جوعَ، لا فزعَ مُنتصفِ الليل…
أعلمُ أنَّكَ في الأعالي، حيثُ الهدوءُ الذي لطالما بحثتَ عنه، حيثُ النورُ الخالصُ الذي يُشبهك.
أعلم… أنَّ الشهادةَ كانتْ حُلمَكَ، وأنَّكَ نِلتَها بكرامةٍ تليقُ بك، برُجولةٍ كانت تُبهِجني وتُخيفني في آنٍ واحد…
ولأنَّني أحبُّك، يجبُ أن أفرحَ لك، رغم أنَّ قلبي يتمزَّق…
لكن، هل ألومُ قلبي إنْ تمزَّق؟
هنيئًا لك…
أمّا أنا، فدعني أبكي قليلًا، فقط قليلًا،
ثمّ أعودُ أُكمِلُ حياتي بنصفِ قلب.
النصفُ الآخر، دُفنَ معك.
رحِمكَ الله كما لم يرحمْنا الغِياب.
• ندى