ris_lill
رَأَيْتُكَ تَسْلُكُ طَرِيقَ الرَّحِيلِ، وَتَنْأَى بِقَلْبِكَ عَنِّي، شَعَرْتُ وَكَأَنَّنِي أُقْتَلَعُ مِنْ جُذُورِي، وَتَنْثَرُنِي الرِّيَاحُ فِي فَجِّ الْهَوَى. يَا مَنْ كَانَ حُلْمِي، وَمَنْ فِي قُرْبِهِ تَتَهَدَّلُ أَحْمَالِي، لِمَاذَا أَحْرَقْتَ أَشْجَارَ الْوَصْلِ، وَتَرَكْتَنِي أَتَقَلَّبُ فِي صَحَارَى الْخَيْبَةِ؟ كُلُّ حَرْفٍ كَتَبْتَهُ بِقَلَمِكَ يَحْفُرُ فِي قَلْبِي نُدُوبًا لَا تُطْمَسُ، وَكُلُّ وَعْدٍ أَلْقَيْتَهُ يَتَبَدَّدُ كَالدُّخَانِ، وَأَنَا أَرْقُبُهُ بِعَيْنَيْ مُنْهَارَةٍ. كَانَتْ أَحْلَامِي مَعَكَ زُرْقَةَ السَّمَاءِ بَعْدَ الْمَطَرِ، فَكَيْفَ أَصْبَحَتِ الْأَرْضُ بَعْدَكَ مَوْحِلَةً، وَكَيْفَ صَارَتِ الْجِرَاحُ تَرْتَعُ فِي نَبْضِي؟ كُنْتَ الْمَأْمَنَ، وَالْمَنْفَى فِي آنٍ وَاحِدٍ، كُنْتَ مَنْ أُوَارِي بِصَدْرِهِ ضَعْفِي، وَإِذَا بِكَ تَكُونُ مَنْ يَكْشِفُ وَجَعِي. هَلْ كَانَتِ الْأَيَّامُ تَخْدَعُنِي بِوَعْدِ الْبَقَاءِ؟ أَمْ أَنَّنِي أَعْمَيْتُ نَفْسِي عَنْ حَقِيقَةٍ كَانَتْ تَحْتَ عَيْنِي؟ إِنِّي أَحْنُّ إِلَى مَرَارَةِ الْوَقْتِ الَّتِي كُنَّا نَتَقَاسَمُهَا، وَأَشْتَاقُ إِلَى كُلِّ حُزْنٍ كَانَ يَصْهَرُنِي لَكِنَّهُ يَجْمَعُنَا. أَخْبِرْنِي، هَلْ تَذْكُرُ دُعَاءَ الْوَصْلِ الَّذِي أَطْلَقْنَاهُ يَوْمًا تَحْتَ السَّمَاءِ؟ هَلْ أَنْتَ مِثْلِي تَتَمَسَّكُ بِخُيُوطٍ بَالِيَةٍ، وَقَدْ قَطَعْتَهَا يَدَاكَ؟ أَمَّا أَنَا، فَإِنِّي أَتَخَبَّطُ فِي لَيْلِ الشَّوْقِ، وَكُلُّ نَجْمَةٍ تُنَادِينِي بِاسْمِكَ، وَكُلُّ رِيحٍ تَحْمِلُ لِي عَبِيرَ غِيَابِكَ. إِذَا كَانَ الرَّحِيلُ قَرَارَكَ، فَإِنِّي لَا أَعْتَبُ، وَلَكِنَّ النُّدُوبَ الَّتِي تَرَكْتَهَا فِي مَهْجَتِي تُؤَلِّبُ عَلَيَّ النِّسْيَانَ. فَارْحَلْ إِذَا شِئْتَ، وَلَكِنْ كُنْ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ حُبَّكَ لَنْ يَمُوتَ، وَأَنَّ قَلْبِي، وَإِنْ تَهَدَّمَتْ أَرْكَانُهُ، سَيَظَلُّ لَكَ مَأْوًى حَتَّى يَفْنَى.