الـبريعة

الفصل الأول: رصيف لا يعرف النوم
          
          البتاوين، حيٌ لا ينام، كما لو أن الوقت فيه ينهض متعبًا ويعود لينام واقفًا على الأرصفة.
          كانت الساعة تقارب السابعة مساءً، حين مشت ميرفت بخطوات خفيفة بين بسطات الكتب وواجهات المحلات التي تنطفئ أنوارها ببطء.
          تحمل بيدها دفتراً جلدياً بنّي اللون، تكتبه كما تهمس، فيه أفكارها الصغيرة، قصائد عن السماء، وأسئلة لا تجرؤ على طرحها بصوت مسموع.
          
          من بعيد، وقف رجل يرتدي بدلة داكنة، لم يكن مجرد عابر، بل كان يقف كما لو أنه جزء من الجدار.
          مشدود الملامح، حاجباه معقودان دون سبب، وعيناه تراقبان الطريق كأنهما تعرفان مسبقًا ما سيحدث.
          اسمه لهيب، وهذا وحده يكفي ليقول الكثير.
          
          لحظة صادفته فيها لأول مرة، لم يكن ثمة حوار.
          نظرت إليه خلسة، والتقت عيناهما.
          لم يبتسم.
          ولم ترتبك.
          لكن قلبها كتب أول جملة في دفترها بعد أن ابتعدت:
          "تلك العيون، لا تخطئ…"