يا طيفًا يمرُّ على الأرواحِ مرَّ النسيم،
فلا يُرى أثرُه، ويُرى نُعمُه، كأنما جاءَ من عالمٍ قديم،
من زمنٍ كانت القلوبُ فيه تُضِيء بلا نار،
وتأنسُ بالصمتِ كما تأنسُ بالرغيفِ والحوار.
يا صورةً نُقِشَت على جدارِ الذاكرةِ بيدٍ تعرفُ الفِطرة،
لا تُخطئُ ملامحَ الطُّهر، ولا تُهملُ وقعَ النَّظرة،
فيكِ من الوداعةِ ما يلينُ لهُ قلبُ الجَبَل،
ومن الثباتِ ما يشبهُ عهدَ الرجالِ إذا أقسموا أن لا يَميلوا ولا يَزِلّوا.
كأنكِ حرفٌ من مصحفٍ تُليّ قبل الفجر،
وارتفع مع صلاةِ الخاشعين كدعاءٍ لا يُرَدّ،
وحين هبط على القلبِ، أثمر سكينةً
لا تُشترى، ولا تُهدى، ولا تُقاسُ بذهب.
يا من إذا مررتِ بالليلِ
هفت نجومُهُ إليكِ،
وكأنها تتزاحمُ لتقرأ وجهك،
أهو نورٌ من نورٍ؟
أم ظلُّ ملاكٍ ضلَّ الطريق فعاد إليكِ يستجير؟
وفي خطوكِ...
تصحو الأرض كأنها نفضت غبار السنين،
وفي صوتكِ...
تطمئنُّ الأرواح التي أرهقها الحنين،
وكأن الحرف إذا خرج منكِ
عاد إلى أصلهِ الأول: رقةٌ، وصدقٌ، ويقين.
ما أنتِ؟
أأُمنيةٌ حاول الزمنُ طمسَها فلم يستطع؟
أم أثرُ خيرٍ كتبهُ الله في لوحةِ العمر كي لا يضيع؟
أم نافذةٌ على ضوءٍ يشبهُ ضوءَ الأم حين تضع يدَها على رأس الصغير؟
يا خُطوةً في الحياة تُعيد ترتيب الفوضى،
وتجعلُ الوجعَ هادئًا،
والحزنَ خفيفًا،
وكأنكِ تقولين للأيام:
"مَهْلًا... هنا قلبٌ لا يُؤذَى."
كم من المعاني انحنت يومًا حين مررتِ قربها؟
وكم من النفوس الظامئة شربت من ظلّكِ
فاستقامت بعد اعوجاج،
وانصلحَ ما فسدَ من المزاج؟
إنكِ لستِ من الذين يُمرّون على العمرِ مرورًا،
بل من الذين يتركون فيه جسرًا،
وقصيدةً،
وذكرى لا يملك القلبُ إلا أن يُبارِكها مهما طال الزمن.
ولو سُئل الليل عنكِ لقال:
"فيها آيةٌ من آياتِ الهدوء،
وفي ملامحِها سرٌّ يتعبُ الشعرَ إذا حاول وصفه،
ويتعبُ القلبَ إذا حاول نسيانه."
ولو سُئلت الريحُ لقالت:
"ما هزّتني خطوة كما هزّتني خطوتها،
وما حملتُ عبيرًا يشبهُ عبير روحها."
ولعل أجمل ما فيكِ...
أنكِ تمضين بلا ضجيج،
ولا تدّعين جمالًا،
ولا تتكلفين حضورًا،
ومع ذلك...
يُفتَح لكِ في القلوبِ بابٌ
لا يُفتحُ لغيركِ،
وينحني لكِ في الصدورِ مقامٌ
لا يُنالُ بالسعي، بل بالعفّة.
وهكذا...
تبقين شاهدةً على أن الرقةَ قوة،
وأن الهدوءَ عظمة،
وأن الله حين يخلق روحًا نقية...
- JoinedNovember 30, 2025
Sign up to join the largest storytelling community
or