-JIHAD-

بعد استشهاد إبراهيم والملقب "بأسد الله"، الرجل الذي كان لوحده أمة، والذي علم الرجال معنى الرجولة، الرجل الذي أثبت للتاريخ أنه قصة يجب أن تروى، هذا الرجل، وصلته بعد استشهاده رسالة أليمة من أخيه، يؤنيه فيها ويسخر منه ويعيِّره بما اقترض من إخوته ليسافر، حتى الحذاء عيَّره أنه استعاره منه... ولم يدر أخاه هذا سامحه الله، أن أخاه أسد الله كان يوزع مئات الأحذية على المجاهدين الحفاة ولا يحتفظ بواحد لنفسه، حتى أنه كان يسير على الجليد والأشواك حافي القدمين، وكلما أعطاء أحد العرب حذاء سرعان ما يعطيه لأحد الأفغان الحفاة، وعيَّره أيضاً بأنه ترك أبويه شيخين فانيين وذهب "ليصيع" في بلاد بعيدة ولم يشغل باله كيف سيعيش أبواه ومن ينفق عليهما.. ولم يدرك هذا الشقيق أن أسد الله كان يقاتل دفاعاً عن آلاف الأرامل والأيتام والمعاقين...
          
          يا إلهي.. إنني لا أجد لنفسي عزاء على فقدانه إلا أنه كان إذا رأى شهيداً كان يقبِّله ويقول: "باسم الله ما شاء الله...  باسم الله ما شاء الله" كأنه يحسده أو يخاف أن يحسده على الشهادة!
          وكان له قلب خلق من الفولاذ والحديد، لا يهاب الموت بل يخوضه ويطلبه فكأنه صار من يحاول إدراك الموت لا أنما الموت أدركه، حتى أنه كثيراً ما وقف من مكان مكشوف حاملاً قذيفة يطلقها على العدو المتحصن والرصاص يتطاير من حوله وفوق رأسه وتحت قدميه، ولا يثنيه ذلك ولا يخيفه! وكان من حفظ الله له عز وجل أنه يعود دائماً سليماً لم يصب حتى بخدش.
          كان على وشك الزواج لكن القضاء كان إليه أسبق، وقد رأى عدة رؤى تبشره بالشهادة قبيل مقتله بوقت يسير، وقد كان صائماً فعسى أن يكون قد روي من أنهار الجنة، وكما رأى في رؤى حكاها لصاحبه وخليله أبا جعفر تماماً، فقد لُفَّ أسد الله في بطانية وهي أول مرة يلف فيها شهيد ببطانية.. وقد كان في جيبه مهر عروسه التي لم ولن يراها أبدًا.
          
          "وستمر الأيام.. وتمر الستون.. وربما عمرت في هذه الدنيا برهة من الزمان.. وربما أنسى كل شيء.. ولكن حتى لو نسيت اسمى فلن أنساك يا إبراهيم... سلام على إبراهيم سلام على إبراهيم سلام على إبراهيم في العالمين".