veenythv
في شتاءِ كانون البارد، من عامِ ألفينِ وواحدٍ وعشرينَ، حيثُ كانَ صقيعُ الجوِّ يحاكي صقيعَ علاقتِنا، كنا نتقاسمُ مساحةَ قاعةٍ دراسية، تفصلُ بيننا مناضدُ خشبية، وتوحِّدُنا نظراتٌ متسلّلة لم تجدْ بعدُ جسرَ البوحِ. كنّا أقربَ إلى الغرباء؛ لا حديثَ بيننا، ولا مَشيَ متلاصقاً، ولا عِناقَ يُبادَلُ. سوى تلكَ العيونِ التي كانت تتبادلُ شيئاً لا يُفَسَّرُ.
انقضى الدّرس، ودقَّ جرسُ الانصرافِ، فبدأتُ أستعدُّ لمغادرةِ الصفِّ للقاءِ مَنْ آلفُهُنَّ، فإذا بي أواجَهَ بِـصفعةِ قُرب لم أتوقّعها ودونَ أيِّ إشارةٍ مُسبقة أو تمهيد، تقدّمتْ هي، واِلتَفَّتْ ذِرَاعاها حولي. لم تكنْ تطلبُ إذناً، بل كانتْ تَفرِضُ مَلاذاً.
كانَ عِناقاً مُحتَكِماً، بِقوّةِ دَفْع أشبهَ بالانقضاضِ على الأمانِ في ليلةِ خوفٍ. علّلتْ فعلَها بِـبُرودَةٍ قَارسة اجتاحتها، ولكنَّ روحي ارتعدتْ لا من الجوّ، بل من مغزى الفعل. تجَمَّدَ دَمي حَرفيّاً، وغابَ الإدراكُ لوهلةٍ، ثمَّ بادلتُها ذلكَ الـاِلتِزامَ القويَّ، وظللنا خمسَ دقائقَ مُتَشَبِّثَتَينِ، نقتسِمُ دفئاً وُلِدَ فجأةً في صدرِ الشتاء. كانتْ تلكَ هي أولى التُخوم التي انهارتْ بيننا