وَردَة.

كان هناك راعٍ في جيش الملك، وكان القاضي يبغض هذا الراعي، فدبّر له مكيدة جعلت الملك يحكم عليه بالإعـ/ـدام بالسيف.
            ذهبت أمّ الراعي، وهي امرأة عجوز تجاوزت التسعين عامًا، إلى الملك تلتمس عفوه عن ابنها.
            فأستحى الملك منها بسبب كِبَر سنّها، وقال لها:
            
            "سأجعل القاضي يكتب في ورقتين؛ في إحداهما يُعـ/ـدم، وفي الأخرى لا يُعـ/ـدم، ثم نجعل ابنك يختار ورقة قبل تنفيذ الحكم، فإن كان ابنك مظلومًا نجا."
            
            خرجت المرأة والحزن يعصرها، فهي تعلم أن القاضي يكره ابنها، وعلى الأرجح أنه سيكتب في الورقتين: يُعـ/ـدم.
            
            قال لها ابنها مطمئنًا: "لا تقلقي يا أمي، ودعي الأمر لي وحدي."
            
            وبالفعل، قام القاضي بكتابة كلمة "يُعـ/ـدم" في الورقتين!
            
            انتشر الخبر، وتجمّع الناس في اليوم الموعود ليروا ماذا سيحدث بالراعي.
            ولمّا جاء الراعي إلى ساحة القصاص، قال له القاضي بخبث: "اختر ورقة واحدة!"
            
            ابتسم الراعي، واختار ورقة، ثم قام ببلعها دون أن يَبقَ لها أثرًا!
            
            اندهش الملك وسأله: "ما الذي فعلته يا راعي؟ لقد أكلتَ الورقة دون أن نعلم ما بها!"
            
            أجاب الراعي بهدوء:
            "يا مولاي، اخترتُ ورقة وأكلتها دون أن أعلم ما بها، ولكنّي لأعلم مضمونها.
            انظر إلى الورقة الأخرى، ففيها ستكون عكسها!"
            
            نظر الملك إلى الورقة الباقية، فإذا بها مكتوب عليها: يُعـ/ـدم.
            فقال الحاضرون بصوت واحد: "لقد اختار الراعي أن لا يُعـ/ـدم!"
            
            القاضي هذا هو الحجّاج، والملك هو عبد الملك بن مروان، والراعي هو القائد كُليب بن الأغر.
            والصورة لِطفل يمتلك أعلى معدل ذكاء.
            أحيانًا علينا ألّا ننتظر فرصة مناسبة، بل نصنعها بعقلنا وذكائنا.

كانت الماشطة تمشط شعر بنت فرعون، فسقط المشط من يدها، وعندما انحنت لالتقاطه قالت: بسم الله.
            فقالت بنت فرعون: أتقصدين أبي؟
            فقالت الماشطة: لا، بل ربي وربكِ وربُّ آبائكِ وربُّ السموات والأرض.
            
            فغضبت البنت وأخبرت أباها فرعون.
            فناداها فرعون وسألها: من ربكِ؟
            فقالت: ربي وربك هو الله.
            
            فأمر فرعون بإناء زيت كبير يُغلى، وأحضر أولادها الثلاثة وكان أصغرهم رضيعاً.
            فبدأ بالولد الأكبر، فحمله الحرس ووضعوه فوق الزيت المغلي، وقال لها فرعون: من ربك؟
            فقالت: ربي وربك هو الله.
            فأُلقي ولدها الأول حتى طافت عظامه فوق الزيت.
            
            ثم جاء بالولد الثاني، وسألها: من ربك؟
            فقالت: ربي وربك هو الله.
            فأُلقي ولدها الثاني حتى طافت عظامه فوق الزيت.
            
            ثم جاءوا بطفلها الرضيع، وكان أحبَّ أولادها إليها، فسألها فرعون: من ربك؟
            فسكتت، ورقّ قلبها على رضيعها، فأوحى الله للرضيع أن ينطق فقال:
            يا أُمِّي اثبتي، فإنك على الحق، وقولي: ربي وربك هو الله، فإن موعدنا الجنة.
            
            فقامت الماشطة وقالت بكل عزيمة: ربي وربك هو الله.
            فألقوه في الزيت حتى طافت عظامه، ثم أخذوا الماشطة فألقوها بالزيت، فماتت هي وأولادها جميعاً.
            
            وعندما أُسري بالرسول صلى الله عليه وسلم، ومعه جبريل عليه السلام، مرا فوق ذلك الوادي، فشمَّ الرسول صلى الله عليه وسلم رائحة طيبة كالعنبر، فقال:
            يا جبريل، ما هذه الرائحة الطيبة؟
            فقال جبريل: هذه رائحة ماشطةِ فرعونَ وأولادِها