الفصل الأول

12K 301 31
                                    

وصلت كارمن الي الحارة الشعبية وأوقفت سيارتها أمام إحدى البنايات ونزلت تنظر الي الحاره بشوق وحنين يا الله لقد تغيرت الحاره كثيرا فهذا المقهي الشعبي أصبح أكبر واوسع وأحدث ومحل البقاله أصبح سوبر ماركت كبير للغايه والحاره قد امتلأت بالعديد من الورش ورشه الميكانيكي والمنجد والاستورجي وغيرها الكثير ابتسمت بحنين ثم رفعت عينيها الي البنايه القائمه امامها لقد احتفظت البنايه بحالتها كما هي وكأنها تعاند مرور السنوات ابتسمت بحنين وحزن وهي تتأمل الطابق الثالث حيث كانت تسكن مع أمها وابيها واخيها الأكبر رحمه الله ع أبيها وأمها اما أخيها فمنذ ان سافر الي أمريكا وقد بدأت اتصالاته تقل حتي انعدمت تماما وهي لا تنكر ابدا تقصيرها تجاهه فهي أيضا قد انشغلت بحياتها ونست العالم من حولها بل تظن انها نست نفسها أيضا
تنهدت بيأس لم يعد يفيد شئ بعد الآن فهي قد قررت ان تبدأ حياه جديده
فتحت السياره وأخرجت حقائبها ثم انطلقت صاعدة الي شقه والديها.
كان يجلس امام المقهي الخاص به يرتدي جلباب رمادي اللون و عمامة بيضاء ناصعة البياض يضع ساق علي آخرى ويراقب الماره في الحاره وبجانبه ارجيلته كعاده المعَلمين في المناطق الشعبية
رأي سياره غريبه تدخل الي الحاره ومن ثم نزلت منها فتاه تبدو صغيره السن خمن انها في اواخر العشرينات تقريبا تشبه الأجانب او تلك الممثلات التي يراهم في  التلفاز او علي مواقع التواصل لمن جاءت هذه الفتاه ومن تريد في حاره شعبية كهذه وزاد تعجبه أكثر حينما دخلت بنايه الدكتور صلاح هل احدی السكينات الجدد ..ولكن الدكتور لا يِسكن أحد في بنايته فهي خاصه ملك له هو وابناء اعمامه ولكن كل هذه الافكار قد طارت من رأسه حينما شاهد اخری ذات طول فارع وجسد متوسط لا هو رفيع ولا ممتلئ ولكن ذات مقومات انثوية لا يستطيع احد إنكارها ترتدي عباءه سوداء وحجاب اسود يطل منه وجه القمر فهي بيضاء ذات عيون سوداء واسعه وقسمات مريحه للنَفس
تتبخطر في مشيتها بأحد يديها محفظه نقودها وفي
اليد الاخري تمسك يد صغيرها ذو الخمسة أعوام
الذي ما ان اقتربوا من المقهی ورأي المعلم نعمان حتي انطلق إليه سريعا وهي يصيح بفرح : عمو نعمان ...عمو نعمان
ضحك نعمان بقوة وهو يحمله ويقبل وجنتية بخشونة وقال  : حبيب عمو نعمان ...عامل اي يا بطل
ابتسم الصغير بفرح ورد : انا كويس
ضحك نعمان واردف : الحمد لله
كانت قد اقتربت منهم وهي تبتسم لمشاهده منظر صغيرها وهو معلق ع كتف نعمان عذرا المعلم نعمان كما تحب ان تدعوه تكلمت بصوتها ذو الرنين المميز : العوافي يا معلم
تنحنح نعمان بحرج وبعض من الخجل لا يظهر إلا حينما يراها : الله يعافيكِ يا ست هدير
ابتسمت هدير واجابت : تسلم وتعيش يا معلم
سكت نعمان لثواني ثم نظر للصغير وسأل : ع فين العزم
ردت هدير بسرعه ولهفه لاهتمامه بها : هروح اشوف سهير ..اصلها كلمتني وقالتلي اروح اقعد معاها شويه هي وروان
ابتسم المعلم برزانه وأردف : ومالو ثم وجه كلامه للصغير خد بالك من ماما يا ياسين
هز الصغير رأسه بجديه : حاضر يا عمو
ضحكت هدير بخفه واضطرب قلب نعمان وازدادت خفقاته كمراهق صغير يسمع لأول مره ضحكه حبيبته وليس رجل في الأربعين من عمره
أمسكت هدير يد صغيرها ثم قالت : قول لعمو سلام يا ياسين
رد الصغير سريعا : سلام
ابتسم نعمان وقال : مع السلامه يا حبيبي
ثم انطلقت هدير مع طفلها وهي تودع نعمان بنظره وإبتسامة
💛💛💛💛💛
صعدت كارمن الي الدور الثالت ووقفت أمام باب الشقه تعبث في حقيبتها علي مفتاح الشقه في نفس اللحظه التي خرج فيها الدكتور صلاح من شقته المقابله لها وقف صلاح للحظات يفكر في الواقفه والتي تعطيه ظهرها وبجانبها العديد من حقائب السفر الملونه ثم غلبه الإدراك وهو يتعرف عليها انها هي لن يخطئها ابدا ولو بعد مئات السنين همس اسمها هَمسة خرجت من قلبه قبل شفتيه "كارمن" وكارمن كأنها سمعته والتفتت تنظر إليه بإبتسامة رائعة أعادته لسنين مضت أخرجته كارمن منها بفرحتها برؤيته: صلاح
ابتسم صلاح وهو يبعد شعره عن عينه في عاده ملازمه له : ازيك يا كارمن
هزت كارمن رأسها : بخير الحمد لله ..انت عامل اي
تنحنح صلاح يبعد عن رأسه أفكاره عن نعومه صوتها ورقتها وأردف : انا كويس الحمد لله ثم سكت وسأل مره واحده : اي اللي فَكرك بينا بعد الغياب دا كله
مرت سحابه حزن علي وجهها وامتلئت عينيها بالدموع وكادت ان تفقد تماسكها الهش وتبكي وتنتحب مفرغه شُحنه البكاء التى حبستها بحزم ما ان رأت بعينيها زوجها وهو يخونها ولكنها تماسكت واجابت : والله انا ع طول فكراكم بس انت عارف الدنيا بتلهي
هز صلاح رأسه بتفهم ثم سأل : وناويه تقعدي هنا قد ايه انا شايف ان معاكي شُنط
ابتسمت كارمن وقالت : ناويه اكمل اللي باقي من عمري هنا وسط أهلي وناسي انا شبعت بُعد
مرت في رأس صلاح العديد من التساؤلات ولكنه قرر ان يتركها كما تريد فهي تبدو ضعيفه وهشه جدا ولن تتحمل اي مناقشات الآن فهو يعرفها أكتر من نفسها يعرف انها مكسورة وتريد ان تبكي بشده ولكن كعادتها تعاند نفسها وتظهر بمظهر اللامباليه ولكنها تحترق من الداخل
ابتسم صلاح وقال : والله دا الحاره تنور بوجود كارمن هانم
ضحكت كارمن : منوره بأهلها يا دكتور
ابتسم صلاح ولم يعلق لتردف كارمن : صلاح ممكن تساعدني في فتح الباب والشنط
أسرع صلاح نحو الباب وقال : اكيد طبعا بس يا كارمن الشقه بقالها سنين مقفوله ومحتاجه تنضيف مش هتعرفي تقعدي فيها وهي كدا
عضت كارمن علي شفتيها وقالت : طب هعمل اي
ابتسم صلاح وهتف : متشليش هم حاجه ...انا هجبلك حد ينضفها ادخلي انتي اقعدي في شقتي انا كدا كدا نازل العياده ولما الشقه تجهز هاجي اقولك
ثم أخرج من جيبه مفتاح شقته وفتح باب الشقه وأخرج المفتاح وقال : دا مفتاح شقتي خليه معاكي
عشان تبقي مطمنه أكتر ماشي
شعرت كارمن بالحرج الشديد وقالت : ملوش لزوم والله يا صلاح انا هقعد قدام الشقه لحد ما تتنضف ويمكن اساعد في حاجه
هز صلاح رأسه بنفي : لا والله ابدا ادخلي انتي بس اقعدي في شقتي وملكيش دعوه بأي حاجه
ابتسمت كارمن : شكرا يا صلاح هتعبك معايا
رد صلاح بهدوء : ولا تعب ولا حاجه يا كارمن
...ادخلي انتي بقا عشان انا كدا هتأخر علي المرضى بتوعي
ابتسمت كارمن ودخلت الشقه بعدما ادخل صلاح الحقائب وخرج ثم القی السلام وانطلق الي عيادته وهو  يكلم السيده التي تنظف له شقته لكي تجلب اخري معاها لينظفوا شقه كارمن
💛💛💛💛💛💛💛💛
في مكان آخر
كانت هدير تجلس مع سهير وروان ابنه عمها يتسامرون كعاده جلسه الفتيات
هتفت روان بشقاوة وهي تغمز بعيناها : أخبار المعلم نعمان اي يا ديرو
تنهدت هدير بشوق وابتسمت بحب وقالت : كويس يا اختي بيسلم عليكي
ضحكت روان : حبيبي يا معلم سلميلي عليه كتير
نظرت لها هدير بغيظ وغيره : ما تتلمي يا بت محدش يقول عليه حبيبي غيري
انفجرت روان في الضحك وهتفت : يا اختي بهزر دا المعلم يجي من دور ابويا
شهقت هدير وهي تضرب بيدها علي صدرها : ابوكي دا ايه... دا المعلم لسه في عز شبابه
كادت ان ترد روان ولكن تدخلت سهير تفض النقاش قبل ان يتطور في معرفه سن المعلم : يا هدير البت قصدها انه أكبر منها بكتير يعني ما انتي عارفه روان عندها لسه 20 سنه
هزت هدير رأسها بتفهم وقالت : يا اختي منا عارفه انا بس برخم عليها
ثم اردفت بمشاكسه : اومال سي كارم فين كدا يا سهير مش باين اليومين دول
احمرت روان وقد اصحبت كحبه طماطم طازجة فقط من ذكر اسم كارم مما جعل هدير تضحك بشده : مالك يا بت احمرتي كدا ليه ...اومال لو كان قدامك كنتي اغمی عليكي
نظرت لها روان بغيظ : تصدقي انك رخمه انا عارفه إنك بتردهالي
ضحكت هدير وهي تلكزها في كتفها : خلاص يا رورو دا انا بحبك
نظرت لهم سهير بقرف واردفت : والله انتو الاتنين تفقعوا المراره ...جراا اي يا اختي انتي وهي ما تنشفوا شويه بدل ما انتو مدهولين كدا وياريت واحده فيكم نافعه
لم تعرها هدير اي اهتمام وهي تقول : بكره نشوفك يا اختي لما تتدهولي زينا
ابتسمت روان بشماته : اه يا سهير ياما نفسك اشوفك لما تحبي وتتدهولي شكلك هيبقا عامل ازاي ...دا انا هفرح  فيكي يومها فرح
هزت سهير رأسها بسرعه وهي تنفي ما تقوله روان : لا لا لا ان شاء الله مش هيحصل الكلام دا
ضحكت هدير وهي تقول بنبره العارف بالأمور : بكره نشوف
💛💛💛💛💛💛💛
بعد عدة ساعات كانت شقه كارمن قد اصبحت نظيفه تماما وصالحه للاستخدام صعد صلاح الي شقته ليبلغ كارمن رن جرس الباب وانتظر حتي فتحت له كارمن وهي تبتسم
هتف صلاح : السلام عليكم ...اتأخرت عليكي
أجابت كارمن : وعليكم السلام ..لا ما اتأخرتش ولا حاجه
ابتسم صلاح : طب كويس ..اتفضلي مفتاح شقتك اهوو ...الشقه بقت زي الفل
اخذت كارمن المفتاح بالخجل وقالت : ميرسي جدا يا صلاح ...والله مش عارفه من غيرك كنت هعمل اي
حك صلاح شعره بيده وهو يقول : العفو يا كارمن انا في الخدمه دايما
هزت كارمن رأسها بتفهم وجرت حقائبها خلفها تخرج من شقته الي شقتها ثم امسكت حقيبتها الصغيره تخرج منها بضعة نقود وهي تقول : ممكن تقولي اللي نضفت الشقه خدت فلوس اد ايه
نظر لها صلاح بغضب وقال : رجعي فلوسك في شنتطك يا كارمن انتي نسيتي الأصول ولا اي
خجلت كارمن بشده وتلجلجت وهي تقول : اسفه يا صلاح مش قصدي انا بس ...
زفر صلاح بضيق : خلاص يا كارمن مفيش حاجه ...وعن إذنك عشان عندي شغل كتير
ثم تركها وغادر الي عيادته
اما كارمن دخلت شقتها وسندت بظهرها علي الباب وهي تتنفس بعمق تشعر بعبق الذكريات رائحه أبيها وأمها وأخيها ذكريات الطفوله والمراهقه والشباب
تطلعت في كل شبر في الشقه تحفظه عن ظهر قلب
ثم اتجهت الي غرفتها القديمه كما هي تماما لم يتغير فيها شئ وكأنها تركتها بالأمس
جلست علي سريرها وامسكت عروستها الاحب الي قلبها وهي تترك لدموعها العنان تبكي وتنتحب بلوعة وهي تشعر ان قلبها يتمزق من الوجع
تبكي سنين عمرها التي ضاعت هباءاً مع زوج خائن حقير تبكي اشتياقها للأمومة التي حرمت منها لسبع سنوات بسببه تبكي وحدتها تبكي روحها المتألمة بشده ظلت تبكي وتبكي حتي تعبت من البكاء وذهبت في سبات عميق
💛💛💛💛💛💛💛
بعد منتصف الليل
وصل جاسم الي الفيلا الخاص به وصعد الي جناحه يعلم أن كارمن لن تمر الأمر مرور الكرام ولكنه ترك لها الوقت حتي تهدأ تماما وهو سوف يعتذر منها ويفعل لها ما تريد فهي تعرف انها نزوه ليس لها اهميه تعلم انها الأصل وأنه يحبها بشده ولن يقدر ع تركها
دخل الي الجناح ليراه فارغ تماما دخل غرفه الملابس
ليتفاجئ بخلوها من جميع ملابس كارمن
جن جنونه وهو لا يعلم الي أين ذهبت دون ان تخبره
خرج يبحث في الجناح علها تكون في مكان ما وهو لا يصدق ابدا ان كارمن تركته وغاردت
جلس ع السرير بصدمة يشعر ببوادر ذبحه صدرية
لفت نظره نوت ورديه اللون موجوده ع الكومود
اخذها ونظر للمكتوب في أحد أوراقها بصدمه وعينه تتوسع بشده وهو يقرر ان يقلب الدنيا رأس علي عقب حتي يعيدها إليه

ونكمل الحلقة الجاية
رأيكوا وتوقعاتكوا
للجاي ان شاء الله
#حارة_العشاق
#أمنية_أشرف

حارة العشاق بقلم امنيه اشرفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن