لكل شيء بداية

522 22 2
                                    

اهداء
إلى كل من تمنى الوصول حتى وصل، فتخلي.
إلى الوحدة، وذلك الصمت المؤذي الذي يعج بالضجيج
إلى البحر، إلى النجاه والغرق، إلى الطائرة التائهة التي غيرت مسار قلبي
إلى الشمس التي أظن اني وحدي اترك جلدي تحتها يحترق واغمض عيني بلا مبالاة ألا تحترق هي!
إلى الروايات التي اتركها في منتصف الطريق لاني أضعف من أن أودعها للأبد، ربما ليبقي لدى امل ان اعود لها يوما ما، احتضن أبطالها بشوق الغائب، واجعلهم يقصون على ما فاتني... ولكن ألا يختفي الشفف!

لا حد الظلام الذي اغوص فيه، ولا حصر للوجوه التي تتكون من خلال ذراته، وجوه خيل لي انني نسيتها، وجروح اعتقدت انها اندملت، ذلك الطفل المرتجف مازال موجودا، لا شيء يموت، كل شيء محفوظ فوق ارفف الظلمة 
                                        "محمد المنسي قنديل"

مطر خفيف كالبكاء يرشق الرمال الناعمة بعذوبة من بعيد ثمة نهر ريان يتدفق ماؤه العذب بهدوء ضوء الشمس الذهبي يميل بدلال فيداعب تلك الغدران الصغيرة التي تكونت هنا وهناك لتنعكس ألوان الطيف وتتعانق في الهواء سعف النخيل يظلل الأفق من بعيد وكأنه سحاب أخضر.
  ايقظه رنين هاتفه النقال، وكان قد وقته على السادسة والنصف، مد ذراعه بصعوبة بعد أن قاوم ذاك الشعور بأنه مشلول البدن ليوقف صوت الرنين المزعج مسح جبينه الذي كانت تتلألأ عليه حبات العرق وجلس على طرف الفراش يلتقط أنفاسه. نفس الكابوس الذي يتكرر
نفس النظرات، نفس الفراق من عائلته، وداك الرمز الغريب الذي لا يدرك كنهه! ونفس النهر ذي الماء الاخضر الزمردي
سار بخطوات بطيئة نحو المرآة وطالع وجهه وكأنه يطالع شخصا غريبا عنه، عينان بندقيتان وحاجبان كثيفان على وشك الالتحام، وانف ذو انحناءة لطيفة يتوسط وجها مستديرًا ظللته لحية خفيفة. أحيانا يشعر أنه غريب عن نفسه وخاصة في تلك اللحظات التي تعقب استيقاظه من ذاك الكابوس المتكرر أو يمكننا أن نطلق عليه طوق النجاة الذي إلى الآن لم يدرك رموزه الخفية
غادر غرفته ومر برواق البيت فلمح والديه فحياهما سريعا وأسرع يصب الماء البارد على رأسه لعل الأفكار التي تنهش عقله تهدأ، ثم لحق بهما في المطبخ الذي كان يعبق برائحة القهوة، جلس وقد بدت على وجهه علامات الإرهاق
ازاح صديقة غيمة الشردود التي يعيش بها يوميا وطالعه بتمعن وقال بنبرة هادئة:
هل رأيت نفس الكابوس؟
نعم.. شرد لاحظات قبل أن يقول بخفوت : لكنني سمعت صوتا لم اسمعه من قبل!
انتفض صديقه سريعا وترك كاس قهوته التي لم تعي اهتمامه انها سقطت وسأله وقد اتسعت حدقتا عينيه :
صف لي الصوت وأخبرني ماذا قال لك.
اغمض عينيه ليجترّ ما رآه  واحس به، ثم قال بصوت متهدج:
كان صوتا انثويًّا رفيقا وجميلا، لم اسمع مثله من قبل، غناء ربما أو كأن هناك فتاة ما تهمس في اذني.
عاد يحدق في وجهه و سأله بتوتر :
ماذا قالت لك؟
كانت تردد كلمه لم افهمها ولم ادرك معناها
ما هي الكلمة
لا أذكر
حاول أن تركز ارجوك... كررها أمامي
التفت متعجبا من الحاح صديقه عليه وهز كتفيه بلا اكتراث وهو يقول :
للأسف نسيتها
شحب وجه صديقه وطالعه بنظرات مرتابة
تناول قهوته على عجل ولم يكمل افطاره فقد دقت الساعة معلنة انها السابعة والنصف ولابد أن يسرع حتى لا يفوته موعده
على مكتبه كانت تستقر حقيبة جلدية من النوع الفاخر شاحن الهاتف وجهاز الحاسوب النقال، كانا أهم ما حرص "ميران" على وضعه في حقيبته.
قبل أن يغادر التفت إليه بلا اكتراث ليتفوه بكلمات بسيطة قد تكون جريمة بحق المجتمع
" أخبرهم ان انا لا اريد فتاة كتلك مثل فتاة أمس لم تعجبني بتاتا
همم صاحبه الذي كان لا يقدر أن يتفوه بكلمه أو يرفض ومن يقدر على أن يعارض احد قراراته يوما ما

" نظراتهم كلها لي مختلفة الجميع ينظر لي من بعيد
يكتفون بإلقاء نظرة سطحية
اعتقد ان السؤال عن الحال أصعب مما أظن
أنا أيضا سأكتفي بالنظر من بعيد"
تغلق دفترها الذي لم يعلم به أحد تغلقه لتغلق كل أحرف الجراح والمعاناه التي كانت ومازالت ستعانيها لم يمر يوما واحداً بدون كتابة بدون أن تبوح بما تشعر بداخلها به منذ أول يوم دخلت إلى ذاك المكان الذي كتب عليها أن يكون مكان دفنها حية منذ أن تخلي عنها جميع من يعرفها لتصل في النهاية إلى ملجأ للأيتام لم تكن يتيمة يوما ما ولكن جميع من في حياة فرضوا عليها اليُتم
كان اليوم يوم تخليها عن ذالك الكابوس وذكريات دخولها ذالك المكان اليوم كمان تعتقد هي أنها ستحي بسعادة مطلقة
الم تنتهي بعد لقد سئمت اريد ان اري العالم من الخارج
كلمات تفصلعا عن ذكرياتها التي تعتز بها حتى وإن كانت أليمة
ترد عليها بتوتر بالغ محاولة أن تخبئ دفترها
لقد انتهيت لنذهب
تخرج مع صديقتها دون أن تولي اي احد اهتمام
"ألم نستودعم لآخر مرة في حياتنا"
دائما ما كانت البطلة السازجة طيبة القلب من الواضح انها لم تدرك معنى الحياة جيدا إلى ذالك الوقت
"ريان حبا في الله هل ستودعي تلك الحية الصفراء التي لم تنالي منها إلا الاذية أم إلى بقية أصدقائها الذين لم يكفيهم اهانتك لا بل سعوا أن تعاقبي أضعاف العقاب العادي هيا بنا من هنا لا تكوني ساذجة"

طريقته في تناول الأمور كانت تزعج زملاءه أحياناً، فهو حاد في حكمة يستبعد من طريقه كل من يخطيء خطأ واحداً ويبتعد عنه حتى وإن كانت فيه ميزات أخرى تشفع له! خطأ واحد من صديق كان يكفي لكي ينحيه جانباً وكأنما وُصِمَ به للأبد! كانو جميعا يطلبون وده ويتقربون إليه فهو شاب جذاب مثقف ورياضي، كما أنه ذكي جدا، لكنه كان مندفعا احيانا يركض خلف حدسه
وصل سريعا لمكان عمله الذي كان كعادته مزدحما كل من فيه لا يجرأ أن ينصرف عن عمله أو يلهو في اي شيء كان مساعدته تسرع في خطواتها لتجاري خطواته الواسعة، انتبه "ميران" فهدأ من سرعة خطواته قليلا
ليقول لها بنبرة حازمة : لا تنسى موضوع الخادمة ارديها الليلة قبل الغد
فور دخوله غرفة اجتماعاته يقف الجميع رهبةً منه انتظاراً حتى يجلس لم يتفوه مع احد كلمة حسنة كعادته انه حاد الطباع

انها الثالثة فجراً، اجلس وحدي أتأمل الفراغ، الوحدة والموت الذي يحوم حولي... لطالما قالوا إن للهدوء صوتا ولكن أظنه ليس إلا صدى صوت عقلك الذي يذكرك بكل ما تحاول نسيانه وكأنه ينفرد بك دون أي مؤثرات خارجية قد تعوقه عن انتقام ذاكرته الخفي.. الذاكرة التي ملأتها بروائح، أسماء، حروف وأصوات تركتهم ورحلت حتى يبقى شبحهم يطوف بداخلها أبدا ما حييت
يقاطع صوت أفكارها صديقتها "بتول" تقوم بصوت محزن : إلى أين سيكون طريقنا طوال اليوم ونحن لم نغفل عن اي محل نصل في النهاية إلى هذا الفندق الوضيع انظري إلى من فيه
تردد بداخلها بصوت آمل : القدر يقف بجوارها
تسمعن الفتيات حديثهم ليتدخلّن بتطفل : هل تحتاحن إلى مال
ترد بتول بلهفة : نعم للغاية المرتب هنا لا يكفي لاي شيء كل تتدبرون اموركم بالعمل هنا
ترد احد الفتيات : من قال لكِ ان كل من هنا يعتمد فقط على مرتبه هنا يوجد لنا عمل بديل
بتول : دلني عليه بسرعة
ميران... ميران أصلان بيه نحن نعمل لديه يدفع لنا أضعاف العمل في اي شركة عالمية


لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jan 12, 2021 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

ارفف الظلمة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن