يبعثُ النفورَ

60 11 18
                                    

سار بضلال في الأرجاء. دنيا معتمة، بالأبيض والأسود، وآلام تلوح في الآفاق.
فؤادٌ هائمٌ بين ظلمات الحياة، أسفل سماء ظلماء.

استحلت الوحدةُ أركانَه؛ فاحتلتها، كان وحيدًا تنبشه الأحزان... بلا رحمة.

كان يتمزق كلما تذكر الماضي، كانت دموعه تتعثر على خديه، كما تعثرت الكلمات على شفتيه، مانعةً إياه من طلبِ النجدة.

شعر بضرباتٍ متتالية على قدميه، كانت تتزايد مع الوقت، ورافقها صياح باسمه، لم يدرِ من هذا المنادي، فالصوت كان بعيدًا.

فإذا به ينتفضُ من أحضان سريره شادًّا على أيسره، ينظر حوله بتشتت وضياع، حتى سقطت عيناه الدامعتان على أخته الصغيرة أمامه.

تنهد ماسحًا عينيه مرارًا لتضح له الرؤية، ثم حدق إلى أخته، فوجد خيوطًا كرستالية تتدفق على وجنتيها.

ابتسم لها بتعب، ثم حملها وضمَّها بقوة إليه، فتعلقت بعنقه بشدة، ثم ناحت ساردةً:
«لمَ كنت تتلوى وتئن وأنت نائم؟ لقد أقلقتني

ضحك وشدَّ عليها بين ذراعيه حتى هدأت.
- لا بأس، أنا بخير يا عزيزتي.
- لكنك تتألم!
- كلا، أنا أبتسم الآن إذًا أنا بخير!

كانت إحدى الكذبات التي اعتاد قولها، ولأنها طفلة صغيرة بريئة صدقت أخاها وأطاعته، لا أدرى لمَ تطيعه في الكذبات ولا تفعل في الحقائق!

قام نيةَ بدء يومه، ذلك اليوم الذي يعلم منذ بدايته أنه لن يكون مختلفًا أو مميزًا.
للأسف، اعتاد التفاؤل كما اعتاد التفاؤلُ خذلَه، فنفر منه.

حضَّر الفطور لأخوته، رتب المنزل، أنهى دراسته وأعماله، ثم حلَّ المساء عليه ضيفًا ثقيلًا.

أمسك هاتفه أخيرًا، فوجد عدة رسائل من أشخاص يعرفهم، بعضهم غالٍ على قلبه.

خصوصًا حبيبته، تلك التي تكون له الكثير، ويحبها أكثر من حقول دوار الشمس التي عاش على حبِّها سنينًا!

تأمل صورتها، ثم ذهب ليُكلمها.
فقفزت إليه صديقة، تطلب منه بعض المساعدة، ورغم تعبه لم يبخل عليها.

لاحظت انطفاءه، لكن لم تعلم ما عليها فعله!
كونهما ليسا بذلك القرب، وكونها تسيء التعبير أحيانًا كثيرة.

كان ناشرًا للبهجة رغم أن البهجة لم تزرْ فؤاده مذ دهور، يعلق لكل شخص بقلب أبيض -كقلبه- على منشوره.

كان الجميع يحبونه، ربما لم يكن يعلم هذا، لكنها حقيقة!

أمسك ورقة وقلمًا، وسطرَ كلمات بخط مبعثر، يكون مفهومًا حين كتابته، لكن حين يعود إليه يُحسُّ أنها لغة أخرى!

لكنه الواقع، أنه يهرب بقلمه بعيدًا عن مرِّ واقعه...
أظلم وجهه قليلًا بينما يكتب عن حزنه، يخطُّ حروفًا كمداء.

ضلال الواقعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن