حمل كوب القهوة ، ثم خرج إلى الشرفة يراقب النجوم ويتامل نورها الساحر الخلاب ويتذكر كيف لهذا النور قطع سنوات ضوئية بتلك السرعة الهائلة من أجل أن تنير قبة الأرض الليلية ، ارتشف قليلا من قهوته ثم أخذ نفسا عميقا وبدأ يشم رائحة القهوة التي تبعث فيه نشاطا بمجرد أن تمر عبر أنفه ، واستمر بالتفكير .....التفكير حول أسرع وأسهل طريقة للانتحار ......... ولكنه تذكر قبل ذلك أمرا هاما ، الأمر الهام الوحيد الذي بقي يشغل تفكيره والأمر الوحيد الذي أوقف محاولاته الكثيرة في إنهاء حياته ، فلم ينس ابدا المرور على المصحة العقلية ليتفقد مرضاه و يسأل عن أحوالهم ، أجل المرور على مرضاه هو الشيء الوحيد الذي تبقى له ، لم يتبق له لا عائلة ولا منزل ، ولا حظن دافيء، ولا قلب حنون ، ولا ملاذ آمن يلجأ إليه كل ما ضاق صدره و ا@حتاج لأن يجبر خاطره ، ضاقت به الأحوال فلم يعد يستطيع دفع ايجار غرفته لأن المصحة التي يعمل فيه شبه مفلسة ، ولم يعد مديرها يدفع للأطباء ما يكفي من أجورهم، تارة يدفع لمجموعة ويهمل الآخرى ، وتارة لا يدفع اصلا حتى سئم الأطباء و الممرضون من ذلك واستقال أغلبهم، والبعض انتقل للعمل في مكان آخر ، مما زاد ضغط العمل على من تبقى من الأطباء في تلك المصحة ، كما أنها أصبحت مستنقعا مقرفا بسبب تقاعس عمال النظافة عن العمل ، بالإضافة إلى عدم توفر الكثير من المعدات الضرورية الطبية مما أدى إلى فقدان العديد من المرضى في حالات الإصابات الخطيرة فهم مجانين بالنهاية يمكن في أي لحظة أن يؤذوا أنفسهم بطريقة أو بأخرى.
حاول ان يبعد تلك الأفكار عن دماغه ، فقد ارهق عقله بما يكفي ولم يعد بوسعه تحمل الم التفكير أكثر ، أجل صار التفكير مؤلما حتى بالنسبة له ، كل نفس يأخذه مؤلم بالنسبة له ، يريد قطع هذه الأنفاس في أسرع وقت لكي ترقد روحه بسلام ويتخلص من ألم كل لحظة تمر عليه ، بدأت يداه ترتجفان، وبدا وجهه يتعرق كما أصبح من العسير عليه الرؤية ، ....يبدو أنه قد عاد ، ...ذلك الصوت مرة أخرى ، دخل شقته واضعا كوب القهوة فوق طاولته الفوضوية وحاول تحسس مكان السرير ، فلم تعد لديه القدرة على النظر جيدا بسبب عتمة الغرفة والألم الذي لا يفارق رأسه ، وعندما وصل أخيرا جلس ثم فتح درجا صغيرا ليخرج منه علبة دواء صغيرة وبيديه البيضاء الشاحبة المرتجفة أخذ حبة واحدة وارفقها برشفة ماء مرت عبر ريقه بصعوبة بسبب حجم الحبة الكبير ، ثم فرك راسه قليلا ونظر في المرأة لتنعكس صورة وجهه ، شعر اسود قاتم و بشرة بيضاء ميتة، هالات سوداء ، وندوب صغيرة تحت عينه ، تأمل وجهه جيدا ثم بدأ رأسه بالدوران أكثر من قبل ، يبدو أن مفعول حبوبه لم يعمل مجددا ، وضع يديه على رأسه لأنه لم يرد سماع ذلك الصوت مجددا ، ولكن لا فائدة حتى لو أغلق أذنيه فسيبقى ذلك الصوت داخله ...صوت مزعج ومخيف كان يخرب سكينته دائما كل منتصف ليل لم يستطع النوم بسببه كان يتملك كيانه ويزعج روحه المكسورة التي لما يكفيها ما مرت به من أوجاع وانكسارات وانهزامات لم يكفه، لم يكن ينقصه سوى عودة ذاك الازعاج مجددا له نظر إلى المرأة مجددا ثم رأى صفحة وجهه منعكسة عليها مرة أخرى لكنها ....لكنها كانت مختلفة ، أجل لم تكن ذات الملامح التي كانت من قبل ، لم يكن نصف وجهه ظاهرا بسبب الإضاءة المنعدمة لكنه استطاع أن يراه استطاع أن يرى نصف وجهه الآخر .....لقد كان شاحبا مصفرا ، عروق وجهه بارزة زرقاء قليلا ، وكانت على جبهته ندبة كبيرة ناجمة عن جرح عميق أحدثه سكين نصله مسخن على درجة حرارة عالية عينه كانت بلون أزرق شاحب فقد بريقه الخلاب ، وتعلوه ابتسامة مخيفة كالتي على وجه البوكر ، لم تكن تعرف ان كان حزينا أو سعيدا لكنه كان بالتأكيد منظرا مخيفا لم تظهر تفاصيله جيدا للعيان إلا بعد أن حركت الرياح ستارة الشرفة فاندست بعض خيوط ضوء القمر لها لتظهر ملامح ذلك الوجه بوضوح ، ارتعش للحظة فلم يتحمل رؤيته أكثر فأنزل عينيه قليلا ثم بدأ يتحسس وجهه قليلا ، وبعد أن رفعه مرة أخرى وجد أن ذلك الوجه قد اختفى ولم يبق سوى وجهه الطبيعي تعلوه ملامح المفاجأة ..................
أنت تقرأ
مرآة ظل
Actionلي وجهان وجه يعكس شخصيتي والآخر جزء لم يعرفه أحد قبل فهل ستتقبلونه؟ التصنيف : حياة يومية ، رعب ، نفسي