على خُطى الرَّسول ﷺ ١٨
أما واللهِ لأستغفرنَّ لكَ!عندما حضرتْ أبا طالبٍ الوفاةُ، جاءه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فوجدَ عنده أبا
جهلٍ وعبد الله بن أبي أُميَّة. فقال له: يا عمْ قل لا إله إلا الله. كلمة أشهدُ لكَ بها عند اللهَ.
فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أُميَّة لأبي طالبٍ: أترغبُ عن ملة عبد المطلب؟
فلم يزل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعرضُ عليه أن يقول لا إله إلا الله، ولم يزل أبو جهل وعبد الله بن أمية يقولان له: أترغبُ عن ملة عبد المطلب؟!
حتى قال: أنا على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله، وماتَ على ذلك.
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أما واللهِ لأستغفرنَّ لكَ ما لم أُنْهَ عنك!
فأنزل اللهُ تعالى قوله: "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ".لا يكاد يخلو عام إلا ويموتُ فيه عالم قد أسدى للبشرية خدمات جليلة في الطب أو الهندسة وهو على غير ملة الإسلام، عندها تجد بعض المسلمين ممن يخلطون بين الرحمة الإنسانية وبين تمام العقيدة يدلون بدلوهم، ويرسلون الرجل إلى الجنة كأن بأيديهم مفاتيحها، ويقول لك أحدهم كيف يُعذب اللهُ أحداً اخترع دواءً وخفف آلام الناس، كيف سيدخل أديسون النار وقد أضاء لنا كوكب الأرض بالكهرباء، وكأن مفتاح الجنة أن تخترع دواءً أو مصباحاً.
على المقلب الآخر تجد قسماً آخر من المسلمين يقطع لهذا العالم الذي ماتَ على غير الإسلام بالنار كأنهم يحملون مفاتيحها أيضاً.
وكلاهما على خطأ وإن كان خطأ الفئة الثانية أيسر من خطأ الفئة الأولى!نحترم العلم والعلماء، ونقدر خدماتهم الجلية في سبيل الإنسانية، ولكن هذا شيء والجنة والنار شيء آخر! دفاع أبي طالبٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أهم من اختراع دواء ومصباح. ولكن هذا الدفاع لم يسعفه لأنه ماتَ على الشرك! هكذا يجب أن يُنظر إلى الأمر بعقيدة لا بعاطفة، مع إيمان ثابت أنه لا أحد أعدل وأرحم من الله!
بالمقابل، قلة أدب مع الله أن نقطع بالنار لشخص بعينه، وإنما نقول بالجملة، أنه من ماتَ على غير الإسلام بعد أن سمعَ به ووصله فرفضه دخلَ النارَ، مع إيمان راسخ أن الأمر لله أولاً وآخراً إن شاء عذَّبَ وإن شاءَ غفرَ.
لن يُسأل الناس في قبورهم عن الكهرباء التي اخترعوها، ولا الأدوية التي صنعوها، ولا الجسور التي أقاموها، وإنما هي العقيدة أولاً وأخيراً.
فلا نخلط بين مسلمات ديننا وبين إنسانيتنا وشفقتنا على الآخرين وتقديرنا لجهودهم، ونتأدب مع الله فلا نقطع بالنار لأحد بعينه، وإنما بعموم الثابت في ديننا، وبصريح قول ربنا: "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ".أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية