الفصل التاسع

766 60 30
                                    

الفصل التاسع

___ظهر اليقين___

  تتشبث الأغصان بأوراقها الصفراء التي لا تتوانى عن تركها بنفخة ريح خفيفة تشبث الجسد بروح ميتة لا خوفا من الفراق أكثر منه أملا في معيّة ،لا يدري أي منهما أن في التخلي عن ماهو ميت سيأتي مكانه مايزهو ويزهر  بحياة ..
هكذا (حمزة ) تشبث بالسنوات التي كانت كلما مضت أطفأت جزء من روحه وكذبة الحب الملمحي خوفا من التلاشي في منفاه ، خوفا من أن يفقد وجوده المادي ويستسلم ليكون شبح من أشباح المقبرة كما يطلقون عليهم ..

الساحة التي كان يقضي فيها سويعات ينفض فيها جسده رطوبة المهجع ورائحة الغمالة عن روحه لمَ أصبح يقف بحماس عليها كأنها بوابة السماء التي ترتفع فوقه تنير أماله ؟
لمَ أصبح النسيم الذي يلاطف خديّه مثله مثل قبلات أمه الصباحيّة ؟ لمّ أصبحت حرارة الشمس التي تنفذ إلى جلده دافئة ككف أبيه المربتة على كتفه ؟ لمَ أصبحت زقزقات أسراب الطيور وهي تبتعد كصوت أصدقائه ؟
لمَ أصبح كل شيء حوله ينبض بالحياة  وتحول هذا القبر فجأة إلى مكان يمكن الإستمتاع فيه نوعا منا ؟
راح يهمس بينه وبين نفسه " ياترى ما الذي تغيّر؟" ..

_ إنت ياحمزة !

قالها (عزيز )ببشاشة  وهو يقطع عليه خلوة تأمله فسأله (حمزة) بغرابة :

_ أنا ! ..إزاي ياعم عزيز ؟

فشدً على ذراعه وسارا معا حتى نهاية الساحة وجلسا جنبا إلى جنب فقال :

_ الكلمة ليها تأثير عظيم على النفس ياحمزة ، عشان كده الكلمة الطيبة أسبق من العمل الطيب!

إللي إتغيّر إنك كنت معزول عن العالم برا حاسس إنك مش إنسان عادي زيهم ..شبح جوة مقبرة ، كنت بتحاول تثبت لنفسك إنك عايش بالرسايل اللي كنت بتكتبهم لنسمة ، الألم قتل كل حاجة جواك و الحب كان الطريقة الوحيدة عشان تعيش ،
بس رسايل هبة رجعت فيك الحياة ، إنت كنت محتاج كلام ..محتاج رد يخليك تحس إن فيه عالم تاني غير هنا ..إنك مش منسي !...الرد !

طب قولي إحساسك كان إيه لما مسكت أول رسالة بعد أربع سنين في المقبرة دى؟

هز (حمزة )كتفاه وقال :
_ لو قلتلك إني كنت عايز أعيط هتضحك عليّا ؟ بس كنت فاكرها من نسمة .

ضحك العم (عزيز )وقال :
_ شعورك كان بسبب الرسالة نفسها مش هيفرق مين بعتها ..نسمة ..ولا أهلك ..ولا هبة ! إنت كنت في حالة من فرط الشعور ، مرة وحدة صحيت جواك كل المشاعر دفعة وحدة مع بعضها وبقوة
الفرح ..الخوف ..الانبهار ..الدهشة ..الشك ...المفاجئة ..الحزن .. بقيت زي المنتشي بعد فترة انقطاع !

قال (حمزة) بسخرية وهو يضحك ...لأول مرة :
_ مدمن ..ومنتشي !..أنا .. مشكور ياعم عزيز !

فقهقه العم (عزيز )وقال وهو يربت على ركبته:

اعترض حضرة القاضيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن