-I02I-

16 3 0
                                    



استيقظ رومان على صوتِ رنين المنبه، كانت الغرفة لا تزال سابِحَةً في الظَّلام بسبب الستائر ذات اللون الداكن التي تغطي النافذة مانِعةً ضوء الشمس من التسلُّل. كان البيت هادئا والأجواء مسالمة مِمَّا دفع عقله إلى التفكير في كَمِّ التغيير الذي طرأ على حياته.

منذ بضعة أشهر فقط كان صباحه في غاية الاختلاف عن هذا، اعتادَ أنْ يستيقظ على صوت أمِّه تقتحم الغرفة، ثم بعد عنادٍ وشجار ينهض من سريره أخيرا ويُغيِّر ملابسه بكسل بعد حمام طويل. اعتاد أنْ ينزلَ إلى المطبخ كل صباح ليجد والده يحضِّر الفطور وأمه تحضرُّ الطاولة نظرا لكونِها طباخة سيئة. اعتادوا تناول الفطائر بالكريمة معًا والشجار على آخرِ واحدة دائما، ثم يتوجَّهُ إلى المدرسة بعد توديع والديه بعناقٍ وقبلات، وبالطبع خطاب أمِّه التحفيزي الذي لا تنساه أبدا.

الآن أصبح رومان يستيقظ وحده، يأخذ حماما سريعا، يغير ملابسه وينزل ليجد المطبخ خاليا، يتناول رقائق الحبوب بالحليب يوميًّا ويغادر البيت بصمت.

بدأ الأمر قبل أكثر من شهرين، عندما شعر أنَّ الأجواء في البيت أصبحتْ متوتِّرة قليلا، لم تعُدْ أحاديثهم العائلية مرحة مثلما كانت، ولم يعد التواجد في البيت مرحا كالعادة. أخبرته رايفن حينها أنَّه ربما يتوهم الأمر، أو ربَّما والداه يعانيان من ضغوط العمل، أخبرته ألا يقلق فمِن المؤكد أنَّ ما يحدث مجرَّد سحابة عابرة.

لكن لأول مرة كانت رايفن مخطئة، لم يكن الأمر سحابة عابرة، بل كان بداية إعصار عنيف. بعد أسبوعين من البرود والتوتر انفجرت الفقاعة، دخل رومان إلى البيت يومها بعد نزهة مع رايفن ليصطدم بمشهد والديه يصرخان في وجه بعضهما. تيبس في مكانه ولم يعلم ما الذي يجدر به فعله، لم يسبق له أنْ شهِدَ هذا، لم يسبق أنْ تشاجر والداه أبدا، على الأقل ليس أمامه، وليس بهذه الحدة.

انخفضت أصواتهما عندما لاحظا وجوده، رسمت أمُّه ابتسامة مزيفة على وجهها وأخبره أنْ يصعد لغرفته. سألها ما الأمر، فقالت أنَّها مجرد مشكلة تافهة. صدَّقها رومان، لأنَّ أمه من المستحيل أنْ تكذب عليه على الاطلاق.

اتَّضح أنَّ تعريفه لكلمة 'تافهة' يختلف عن تعريف أمه لها، فقد توقع رومان أنَّ الأزمة التي مرَّ بها والداه ستنتهي في غضون بضعة أيام على أكبر تقدير وتعود المياه الى مجاريها الطبيعية الهادئة، لكنَّه كان في غاية الضلال إذ أنَّ تلك الأزمة ما فتِئَتْ تطول وتتعقد أكثر وأكثر، وغرست جذورها، في بيتهم وتعمَّقت مع كل يوم يمر.

واصل والداه الشجار وازدادت هذه الأخيرة حدَّة في كل مرة، في البداية كانا يُراعِيان وجوده في البيت ويحاولان التصرف بطبيعية أمامه، لكنَّه كان على علمٍ أنَّهما يخرجان غضبهما على بعضهما البعض عندما يكون غائبا، شظايا الزجاج في المطبخ والمزهرية الخزفية المشقَّقة في غرفة الجلوس خيرُ دليل على ذلك.

نادي الدراما -متوقفةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن