الفصل الأول

21.2K 469 53
                                    

لم يصدر من الجميع سوى طأطأة الرؤوس خزيًا وخوفًا من عقاب مديرهم، والمتسبب في تلك الحالة الباعثة على المهانة هو تقصيرهم الملحوظ والعارم خلال الفترة المنصرمة. لم ينبسوا ببنت شفة ورب عملهم ينهال على مسامعهم بعبارات التقريع والزجر، على الإدارة الخاطئة، ووضع الأنظمة الغير كاملة، ولا يوجد لذلك سبب وجيه البتة، غير إهمال وتقاعس، عجزَ مديري الإدارات عن التصدي له.

لا يدرون بماذا عليهم أن يبرروا أو بمَ يتذرعون لأفعالهم، فما بدر منهم من إخفاق متكرر خلال تأدية أعمالهم الآونة الأخيرة لا يوجد له عذر، فقد أُلقي عليهم العديد من التحذيرات والإنذارات من مديري الإدارات من أي تقصير محتمل لكي لا يزداد الأمر سوءً ويصل حينها للمدير العام، أو مالك الكيان، وحينها فقط سيكون ذلك نذير سوء لهم أجمعين.

اهتزت أجسادهم برجفة ملحوظة أمام صوته الهادر ونظراته المحتقنة المسددة إليهم وهو يزعق فيهم بعصبية:

-أنا مش فاهم إيه الاستهتار ده! دي مابقتش شركة.. دي ملاهي بنيجي نلعب ونمشي.

كانت عصبيتة غير طبيعية وليست بمعتادة، مما لا شك فيه أنه ذو هيبة قوية وهيمنة طاغية، ولكنه مع ذلك ذو شخصية رزينة، جامدة أمام الجميع وليس من السهل أن يُثار بالأخص أمام أحد. وما فاجأهم الحين هو عصبيته المفرطة، وغضبه المشتد، لدرجة جعلتهم يشعرون بأنه سيفتك بمن حوله إذا اعترضوا على ما يقول، أو احتجوا على اتهامه لهم بالتقصير وقلة الضمير.

تلك العينان الحادتان بسوادها الحالك المهيب، ظلتا تمسحان أوجه جميع الماثلين أمامه، بنظرات بارقة، ناقمة، ليس بمقدور أيا رفع نظره بهما من اشتعالهما البالغ. "مجد الكيلاني"ذلك الاسم الذي يهتز من ذكره اعتى الرجال وأشدهم، كما يُكن له الإحترام والتقدير من الجميع، على رأسهم ذوي الطبقات المخملية؛ وصفوة القوم.

ذلك الكيان العريق الذي يصل اسمه إلى كل حدب وصوب، كونه مالكًا لواحدة من أكبر شركات الشرق الأوسط للأدوية. صاحب نجاح باهر، وشأن مرتفع وصل إليه بعزيمته القوية وجهده المتفاني، حتى على بشركاته بين جميع منافسيه، وطموحه لم يجعله يلبث عند تلك النقطة، فلم ينفك عن جده المتعاظم حتى أصبح أعلاهم جميعًا، واسمه يترأسهم في سوق العمل محليًا وكذلك دوليًا، ففروعه في الخارج صيتها لا يقل قوة وعلوًا عن البقية المتواجدة داخل حدود البلاد.

اكتفوا باستراق النظرات خلسة لبعضهم البعض بصمت، علّ أحد فيهم يتكلم بعذر مقنع ينقذهم من وطأة الموقف الذي باتوا به ولا يجدوا له مخرجًا، ولكن على ما يبدو أن المأذق جمد رؤوسهم، حتى أصبح لا يسعفهم فكرهم للتفوه بأي مبرر يستطيعوا به أن يحسنوا صورتهم، أو يخففوا من العقوبة الغير متوقعة. ولكن صمتهم لم يكن في صالحهم، فلم يزِد سوى من عصبية الآخر الذي وثب عن جلسته بشكل مفاجئ، وأشار لهم بيده نحو باب المكتب وهو يهدر بهم في خشونة، آمرا بصرامة:

مشاعر مهشمة الجزء الأول - مجد اكتمل بها (قيد التعديل)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن