الفصل الثالث

9.3K 396 57
                                    


بنظرات مليئة بالإندهاش الممزوج بعدم الفهم سلطوا أنظارهم جميعا نحو "هشام"، وبالأخص "رفيف" و"جاسم"؛ حيث إنهما لم يأتيا ببالهما للحظة أمر ابنته التي تم اختطافها منذ قرابة الستة عشر عاما، فمباغتته بقول تلك العبارة دفع التشتت لأذهانهم، حتى أن "جاسم" ظن في بادئ الأمر أنه يقصد بإبنته تلك "رفيف"، ولكن سريعا ما تنبهت مداركه نحو ابنته الأخرى المفقودة، والتي تكبر "رفيف" بعامين على حد علمه من والده الراحل، ولكن السؤال هنا من هو اللي أخذها؟، ولمَ أتى على ذكر ذلك الشخص حينما كان يتحدث هو عن موظف الحسابات بشركتهم؟

من المؤكد أنه ليس المقصود من عبارته، بديهيا لن يكون "عدي" هو من أخذها، فحينها كان طفلا هو الآخر. كانت حالة "رفيف" المدهوشة لا تختلف كثيرا عنه، فلقد ثبتت نظراتها نحو والدها والتي كانت يشع منها عدم الإستيعاب للمعنى الضمني لما صرح به والدها توا، وعلى الرغم من علمها بأمر شقيقتها التي اختطفت في صغرهما عندما كانت "رفيف" بعمر العامين، والتي كثيرا ما يأتي والدها على ذكرها معها ويسرد عليها بكل الحزن المترسخ كيانه ونبرة صوته حينها عن أحداث الحادثة التي سلبتها من بين أحضانه، إلا أن تفكيرها تشوش عن تلك الحقيقة، لاعتيادها على كونها الإبنة الوحيدة في ذلك البيت، وما جعل الرؤية تتضح لديها تساؤل "مجد" بصوته الظاهر عليه الصدمة المحملة بالغرابة وهو عاقد الحاجبين:

-أخد مين؟، انت قصدك أسيف؟

أومأ له برأسه عدة مرات متتالية بتلهف يشوبه الجزع، وقد فرت دمعة من طرف عينه، قام بتجفيفها وهو يرمق ابنه بنظراته الملتاعة، وأخبره مؤكدا بصوت اعتلته بحة بائنة من غصة البكاء المتكونة في حلقه:

-أيوه أسيف، الراجل اللي جاسم قال اسمه دلوقتي هو اللي أخد بنتي يا مجد.

عقد "مجد" حاجبيه بغرابة مضاعفة من تصريح والده حول أخذ الموظف الذي قال "جاسم" اسمه توا لشقيقته، ظن أنه قد اختلط عليه الأمر، واستفسر بصوت هادئ بطريقة عقلانية:

-بابا ازاي عدي ده هو اللي أخد أسيف؟، جاسم لسه قايل إنه من سنهُ، يبقى أخدها أزاي بس وهو وقتها كان طفل؟

لم يستطع التحكم في دموعه التي تُذرف من عينيه، ورد عليه في اختناق:

-مش عدي، أبوه يا مجد، أبوه هو اللي لقاها وأخدها وسلمها للشرطة، وهو اللي أخدها من الملجأ لما الشرطة عملت تحرياتها وموصلتش لينا وسلموها ليهم، هو اللي اخدها من هناك واتبناها، هو يا مجد، يزيد الجمَّال، أنا متأكد أن هو، قلبي بيقولي إن بنتي عندهم.

كانت نظرات "مجد" طاغيا عليها الحزن، والتأثر بحالة والده الممزقة لقلبه، ربت على جانب ذراعه بخفة، وهو يقول له في صوت جاد محاولا بعث الهدوء في نفسه:

مشاعر مهشمة الجزء الأول - مجد اكتمل بها (قيد التعديل)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن