قصة قصيرة

9.5K 405 96
                                    

وقفت في هذا المكان .. كانت الحجارة على الارض مرمية في كل مكان ومتناثرة .. اتيت لهنا لأن على حسب ماقالوا ان هنا وعلى هذه الارض توجد حكايات عديدة .. جئت لهنا كي تعرف على هذه الحكاية ولكنني لم اجد شئ .. نظرت حولي جيدا رأيت رجلا عجوزا يقف بالقرب من الجدار يتكأ عليه ... سرت باتجاهه وسألته عن القصص التي كانت موجودة هنا .. امسك بيدي واتكأ علي سار معي حيث جلس على كرسي موجود خارج هذا المكان .. قال لي : ان كنت تريد معرفة ماحدث هنا فعليك ان تتعرف تسمع البداية .
- وماهي البداية ؟.
بدأ يسرد لي عن تفاصيل البداية ... على هذه الارض كانت هناك ملكة جميلة للغاية ملكة شهد العالم كله على جمالها وفطنتها وقوتها .. اسمها عشتار عشتار ورثت كرسي الحكم عن ابائها واجدادها العظماء .. تعلمت القوة منهم واخذت من والدتها الجمال والفتنة ... كان شعرها طويل واسود كسواد الليل .. بشرتها خليط بين الابيض والاسمر .. رغم كل ماتملكه الا انها كانت متواضعة للغاية ..
في كل ليلة تخرج الى السوق سرا وهي متخفية ترتدي رداء لونه رمادي وتغطي حتى شعرها كي لا يتعرف عليها احد .. تتفقد الرعية كانت تبتسم وتشعر بسعادة لا توصف عندما تسمع الرعية يحبونها ويتحدثون عنها بالخير ...
ذات ليلة كانت قد انتهت من جولتها المسائية وعادت لقصرها .. في الطريق صادفت قطاع طرق حاولت الهروب منهم ولكنهم حاصروها تماما ... ولكن فجأة ظهر امامها رجل من بينهم كان مفتول العضلات وقوي ووسيم ايضا ... بدأ يقاتلهم من اجل الدفاع عنها .. واستطاع ان ينقذها ..
اعجبت به كثيرا لرجولته وشهامته ... ازالت ذاك الغطاء عن رأسها فظهر جمالها الطاغي .. اما هو فقد ذهل لهذا الجمال الالهي ... وكما يحدث في قصص الحب فقد وقعا في الحب من النظرة الاولى ...
بدأت تعيش معه اجمل ايام الغرام ... لحظة بلحظة ولكن لاننا نعلم ان السعادة لا تدوم .. ولا شئ يدوم للابد ..
اصيبت هي بالمرض وقال جميع الحكماء ان حالتها ميؤوس منها الا هو فقط كان مؤمن انها ستشفى وانه حتما سيجد الحل ... بدأ بالبحث عن افضل الحكماء ولكن الجميع اكدوا له انها ستموت حتما ... كان يسير بين الطرقات يائسا الى ان اصطدم بأحدهم .. رأى رجلا عجوزا نظر العجور جيدا له وسأله : مابك يابني تبدو حزينا .
- حبيبتي مريضة وستموت قريبا ولا املك الحل لشفائها .
- انا لدي حلا .
نظر له بدهشة وهو لا يصدق !!... قال عجوز : يوجد ساحر يسكن في اعلى الجبل حتما سيساعدك .
ابتسم بفرح وشكر العجوز .. اتجه الى الجبل الذي يسكن به ذاك الساحر ... كان الساحر غريب الاطوار للغاية ولكنه وافق على مساعدته ...
قال الساحر : يوجد حل واحد فقط ان كنت تريد ان تعيش معها للابد .
- ماهو ؟.
استمع لما قاله الساحر ووجد نفسه بدون تفكير قد وافق على كل ماقاله ... ذهب الساحر معه الى قصر عشتار كانت هي مستلقية على سريرها بتعب .. جلس بجانبها وامسك بيدها ..
امسك الساحر عصاه وحولهما .. ولكنه حولهما لتماثيل سميت لاحقا بأنها اثار .. كانت فكرة الساحر في ان يبقيا معا الى الابد .. الجميع يراها حجارة ليس لها جدوى ولكنها روحان لعاشقان .. في كل ليلة عندما ينام الجميع تخرج روحه من التمثال وتخرج روحها ليتقيا معا بشوق .. على مر القرون التي مضت واجها معا بحبهما اعداء كثيرين اولهما كانت الرياح التي ارادت ان تدمر تمثالهما لأنها علمت ان التمثال ان دمر سيموتان ويتفرقان ... ولكن الرياح لم تنجح لأن حبهما اكبر وقفا في وجه العاصفة وصداها .. واتت الامطار تحاول ان تنتقم من اجل اختها ولكن محاولتها فشلت ايضا ... ومرت قرون اخرى فأتوا اشخاص علموا بحبهما وقرروا ان يجعلوهما في مأمن وضعوهما في منزل واطلقوا على المنزل هذا متحف .. في كل ليلة بعد ان يخرج الزوار من منزلهما تخرج روحها من التمثال وروح ويبدأ بالعيش كأي عاشقان ... هما فخوران بحبهما الابدي ..
الى ان في ليلة مظلمة للغاية اقتحمت عصابة من الجرذان السوداء منزلهما .. بدأت تهدم كل شئ ... امسك احد الجرذان بتمثاله وبدأ يحطمه بالفأس ... سالت دمعة من تمثالها وهي ترى محبوبها يقتل امامها .. يتحطم مع كل ضربة فأس ضربت جسده ... ان اقتربت تلك الكاميرات التي صورت مشهد تدميرهم سيجدون دمعة على التمثال ... ولكن زال حزنها عندما شعرت بضربة على جسدها فها قد بدأوا بقتلها هي ايضا .. كان شعورها خليط بين الحزن والفرح .. سعيدة لأنها لم تتركه بمفرده وهاقد ستموت معه .. وحزينة لأنها ستترك هذا العالم ولن تعلم الاجيال القادمة الحب ... مات كلاهما ولم يبقى منهما سوى قطع حجارة منثورة على الارض ...
ان كانت روما فخورة بروميو وجولييت فالعراق كله فخور بقصص العشق التي حدثت بين اثاره ... قصة لن يفهمها احد الا قلة قليلة .. قصة بدأت من الصفر وانتهت بشكل بشع ..
انتهى العجوز من سرد هذه القصة المؤلمة للصغير على باب المتحف المدمر ... فتح الطفل فمه ليعلق على تلك القصة الرائعة التي سمعها عن حضارة بلاده واجداده ولكن رصاصة اصابته فاخترقت قلبه ... فسقط على الارض وسال دمه .. نهض العجوز مفزوعا وهو يراه ... هذا العجوز الذي عانى كثيرا في حياته ... سمع صوت احد الرجال يناديه من بعيد قائلا : ياعراق ياعراق .
التفت العجوز للرجل الذي يناديه ... اقترب منه الرجل وسأله : هل انت بخير ؟.
سؤال مضحك ههه ... بقي العجوز يقف في مكانه تائه على ماذا يبكي على الماضي الذي دمر ؟.. امر الطفل الذي قتل .. المشكلة ان الاجيال القادمة لن تتعلم شئ عن الماضي وعن الحضارة بعد ان دمرت ... والاجيال التي تليها لن تعرف انجازات هذا العصر الذي هو بمثابة ماض لها لأن شباب الحاضر قد قتلوا في طرق عديدة ... والمستقبل بدأ ينهار ايضا عندما قٌتلوا الاطفال ...
كيف تسألني عن حالي وقد دمرت ذكرياتي ... وقتلوا حاضري ... وعذبوا مستقبلي ...
بيد مرتجفة استند على الكرسي .. واستطاع الجلوس عليه فجلس بانتظار شخص يجعله ينهض به ... رغم كل ماحدث هو يملك الامل رغم ان الالم الذي يشعر به اكبر من الامل نفسه .... ولكنه ينتظر يوما تشرق به الشمس فتحول الالم لأمل ...
هي ليست نهاية ... بداية لتحويل الالم الى امل ..
بقلم فرح صبري

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Mar 01, 2015 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

قصة قصيرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن