بداية السقوط

45 3 0
                                    

الزمان : الثامنة صباحًا ؛ التاسع عشر من يناير
المكان : مدينة ديترويت أكبر مدن ولاية ميشغان الأمريكية ؛ أمام إحدى المقاهي قديمة الطراز .
.........

يقف بسيارته أمام  مقهى "ليالي ديترويت" بعدما غادر كوريا منذ أسبوع ؛  يحمل قلبه وغضبًا عارمًا على أبيه البيولوجي بعدما سمع بالصدفة حديث أمه الغاضب مع أبيه الذي تنازل عن أسهمه بالشركة لأخيه الأصغر ؛ هو يحب أخاه الصغير كثيرًا ولا يمانع من امتلاكه لأسهم أبيهم لكنه اندهش من تصرف والده؛ لذا وقف وراء الباب واسترق السمع لكنه ندم على ذلك وتمنى لو أنه تجاهل أصواتهم العالية ذلك اليوم  ومضى في طريقه دون أن يتنصت على حديثهم ويكتشف أنه ليس الإبن الحقيقي لعائلة "لي"  وأن السيد "لي جي هون " الذي منحه اسمه وقام بتربيته حتى صار بالثامنة والعشرين هو زوج أمه وليس والده البيولوجي  ؛ وأن والده الحقيقي قد تخلى عنه وتركه وهو جنين؛  حدث ذلك كله منذ اسبوع انقلبت حياته رأسًا على عقب منذ ذلك اليوم ؛ واجه أمه بقسوة وأجبرها أن تخبره من هو والده الحقيقي ؛ لكنها زودته بمعلومة واحدة فقيرة؛  أن والده البيولوجي  يعمل نادلًا بمقهى "ليالي ديترويت" بمدينة ديترويت الأمريكية ؛ وأن اسمه جاكسون ؛ ثم صرخت في وجهه بقسوة " هو لا يريدك ؛هو حتى لا يعرف أنك موجود بالحياة ؛ لقد ضربني بقسوة ليتخلص منك حين أخبرته بأمر حملي ؛ كان يريد التخلص منك لولا هروبي منه وعودتي إلى  كوريا وأنا أحملك داخل رحمي ؛ والآن تريد أن تبحث عنه ؛ عن الرجل الذي كان يريد قتلك وقتلي ؟! "

لم يهتم لصراخ أمه واعتراضها على بحثه عن والده ؛ ترك كوريا وذهب إلى أمريكا يبحث عن هذا الجبان جاكسون  ؛ فقط كي يصفعه على وجهه و يسأله لماذا فعل بأمه وبه  مافعل وكيف لم يخطر بباله أن يبحث عن ابنه الوحيد !
                                .........

يجلس في سيارته أمام المقهى يتذكر صوت أمه الباكي وهي ترجوه ألا يذهب للبحث عن والده الحقيقي  ؛ لكنه بالنهاية هنا.. يقف أمام المقهى؛ ينتظر تلك العاملة؛ صانعة القهوة  بعدما عرف من الموظف الذي عينه ليتحرى عن جاكسون أنها الوحيدة التي تستطيع أن تدله على مكانه  ؛ وأنها تخفيه عن الشرطة بعدما تورط في قرض كبير لم يستطع سداده وحكم عليه بالسجن واختفى عن الانظار منذ زمن ؛يقف أمام المقهى منذ نصف ساعة  شاردًا فقد كانت فكرة مملة من البداية أن يراقبها من بعيد  لمدة اسبوع؛  يقف كل يوم منذ السابعة صباحًا يراقبها من خلف نافذة سيارته متأملًا أن تقوده يومًا لمكان جاكسون ؛  وها هي تظهر أمامه عند السابعة تمامًا ؛ يراها  تأتي من بعيد بمعطفها الجلدي  الأسود وقفازاتها الوردية  وحقيبة ظهر سوداء  اللون وشعرًا ناعمًا طويلًا يتدلى  فوق كتفيها ؛ ومهرجانًا من الفرح يلمع في عينيها رغم بؤس مظهرها  ؛ لقد بدا وجهها مشرقًا كوجه طفل ؛ كانت جميلة كإسمها الذي  حاول جاهدا التدرب على نطقه لمدة اسبوع؛  نطق اسمها بصوت هامس مرات عديدة لكنه بطريقة ما كان عسيرًا ؛ أخذ يردد :
"جا مي لاه ..جا مي لاه ... جميلة " ! لماذا تمتلكين  اسمًا يصعب نطقه ؟ .. قال هامسًا يحدث نفسه  ؛ كان يطل من نافذة سيارته مستغربًا ضحكاتها العالية في الطريق؛ والقائها السلام على العابرين في الشارع؛ وابتساماتها التي توزعها بسخاء على الجميع؛ كان يشعر برغبة قوية في أن ينزل من سيارته ويسحبها من يدها بقسوة ويصرخ بوجهها آمرًا :
" خذيني فورًا لذلك الوغد جاكسون قبل أن أقتلك " لكنه بذل مجهودًا كبيرًا  ليمنع نفسه من فعل ذلك ووقف مكانه يراقبها قبل أن يقرر أن ينزل من سيارته ويدخل المقهى خلفها  .

ليالي ديترويت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن