البارت الأول

49 2 0
                                    

كعادتك خرجت ببطن خالي و وجه تجمدت ملامحه من كثرة العبوس بدون أن تكلف نفسك عناء إلقاء التحية علينا، يصفك الجميع بالعاطل بينما أراك على العكس تماماً فأنت مشتت الذهن دائماً بسبب كثرة تفكيرك حسب ما أعتقد ولا تتوقف الأتصالات الواردة إلى هاتفك قط و في الصباح تخرج فارغ الجيوب لتعود في المساء و قد إمتلئت جيوبك، لم أنسى تلك الأيام التي قضتها أمي تتوسلت إليك لتخبرها عن مصدر هذه النقود و بعد يأس غلب قلبها و أكد لها أن صمتك سيطول و أنك أبعد ما تكون عن البوح بحقيقة هذه النقود أستحلفتك لتطمئنها على الأقل بأنها حلال من مصدر حلال فأجبت و قد غلبتك الشفقة على حالها أنها حلال لكن يتحتم عليك إبقاء مصدرها مجهول لكي تستمر فطأطأت برأسها ستصبر كعادتها فلابد من مصدر رزق تعيل به أطفالها بمن فيهم هو و إلا تصدرنا الصفحة الرئيسية في كل جرائد البلد بالخط العريض قتل الجوع عائلة كاملة في بلد نفطية و من يعلم ربما كنا سنصبح قضية رأي عام تنفض البلد لأيام ثم يعود الجميع لأشغالهم و ننسى مثل جميع من سبقونا، و كعادتي أسرعت في إنهاء فطوري راغبا في اللحاق بك قبل ذهابك لكن منظر أبي الملقى قرب الباب جمدني للحظات، كعادته نام بعشوائية قرب الباب بعد ليلة سُكر طويلة و لن أتعجب لو نام يوماً في منتصف الشارع فكل فعل من أبي متوقع إلا تحمل المسؤولية، ولأنه لابد من حمل أبي من أمام الباب سأفتقد اليوم توديعك و محاولة فتح حديث معك لكن هناك دوماً فرصة أخرى في الغد القريب، صفعت وجه أبي بخفة محاولاً إيقاظه لكن الطريقة أثبتت فشلها بعد خامس مرة فقررت إسناده عليّ و السير به للداخل متسائلاً في نفسي عن سر ازدياد وزن أبي رغم شح الأكل و قلة ما يأكله وبعد بضع خطوات متتالية سمعت خلالها الصوت المميز لمحرك سيارة محمد وصلنا إلى مدخل الصالة المبخر باللبان وضعت أبي على الأرض بينما طلبت من مريم مناداة رائد الذي لا يزال في المنزل ليحمل أبي إلى غرفته وخرجت بعدها مسرعاً للشارع، في السيارة وبعد السلام و التحية ردد محمد شكواه المعتادة حول سيارته القديمة كثيرة العيوب فأخبره كالعادة كم هو محظوظ لإمتلاكه سيارة وأن كانت معيبة في ظل الظروف الراهنة فتحت بعدها الإذاعة لإسكات محمد ليصدم سماع تاريخ اليوم عقلي، كنت قد نسيت تماماً أننا مشرفون على التخرج و أن أسابيع قليل تفصلني عن وداع الجامعة الأخير، كيف مضت كل هذه السنوات! و أنا الذي بدأ لي في بعض أيامها أنها لن تنقضي، قريباً جداً سأصبح معيناً لسلمان في إعالة العائلة و ربما يفعل رائد مثلي و بذلك تتحسن أوضاعنا و نُعطى حقنا في عيش لحظات سعيدة بدون أن يحلق شبح الفاقة فوق روؤسنا،فتبسمت مستبشراً بقادم الأيام و الخيالات تملئ عقلي عن كم ستكون ضحكاتنا حلوة فيها، نظر محمد لي بذهول بعد أن لاحظ أبتساماتي المتكررة متأكد أنه محتار الأن في داخله يفكر هل سبب هذا التبسم ضرباً من ضروب الجنون أم أنه من مس الشيطان لكنني فضلت الصمت على مصارحته بسببها، وصلنا بعدها إلى الجامعة حيث نحارب الزمان و المكان و الأنس و الجن و كل ما هو كائن لكي نتمكن من تجاوزها أحياء وبأقل قدر ممكن من الخسائر و في يدنا شهادة تثبت إتمامنا لجميع متطلباتها.

زمن البازلاءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن