الحفل🦋🌌

9 0 0
                                    

كانت من أولئك الفتيات اللاتي يحسبن ولادتهن في أسره من أسر الموظفين مصيبه ، فتركت قيادها للحظ ، فتزوجت موظفا من موظفي وزراه المعارف العمومية ، وكان الألم يلح عليها كلما شعرت بانها خلقت للنعيم والترف ، وهي تعيش في هذا المسكن المتواضع .
كانت هذه الأشياء تحرق نفسها بآلالم ، وكان منظر الخادمه الصغيرة التي تدبر بيتها المتواضع توقد في قلبها الحسرات ، فهي تحلم بالقصور الرائعة . وفي ذات مساء عاد زوجها وقدم لها بطاقه مطبوعه فيها دعوه لحضور الحفله الساهرة التي سيقيمها وزير المعارف العموميه ، ولكنها لم تفرح ،بل رمت البطاقة على المنضده، وهي تقول :
-ماذا تريد ان اصنع بهذه؟
-ولكنني ظننت انك ستفرحين بهذا، فأنتِ لا تخرجين أبداً ، وهذه فرصةُ جميلةُ، وسترينَ هُنالكَ العالم الرسميَّ كُلُّهُ ، فنظرت اليه نظرةَ الغضب ، ثم انفجرت قائلة : ماذا تريد ان ألبس في هذه الحفلة ؟
-أخذته الدهشة حين رأى زوجته تبكي ، وابصر دمعتين تنحدران من زاويتيْ عينها، فقال في تمتمةٍ :
-ماذا بِكِ ؟ إجابته بصمتٍ هادىٍ وهي تمسح الدمع على خديها :
-لاشئ غير انني لا املك ما أتزين به ، فأعط هذه البطاقة زميلاً من زُملائك.
فابتسم الزوج ، وقال : لننظرْ ماتيلدا ، كم تكلفنا الزينةُ التي تغنيك في
هذه المناسبةِ؟
أجابت جواب المتردد: لا اعرف دلك ، أظن اربعمائة فرنك تكفي لهذه الغاية .
تغير وجه الزوج قليلاً ،لانه كان قد ادخر هذا المبلغ بتمامه للأيام الصعبة ، ومع ذلك قال لها: سأعطيك المال ، فاجتهدي ان يكون لك منه ثوب جميل .
اقترب يوم الحفل ، ولكنها ماتزال حزينةً و قلقةً ، وحين سالها الزوج عن ذلك قالت :
-تلك حفلة تزينٍ ، وأما لا املك شيئاً مما تتزين به النساء ُ.
-تتزينين بالزهور الطبيعية، ذلك اجمل.
ولكن هذا الكلام لم يعجبها ، فقال زوجها : اذهبي إلى صديقتك السيدة فورستييه فاستعيري منها بعض الحلي ، فصاحت صيحة فرحٍ وقالت : هذا صحيح ،كيف لم يخطر ذلك على بالي .
وفي صبيحة اليوم التالي ذهبت إلى صديقتها التي أسرعت إلى خزانتها ، وآخرجت منها صندوقاً عريضاً وفتحته ، وقدمته لها ، فوقع بصرها أولاً على الأساور ، وعلى حين بغتةٍ وجدت قلادةً فاخرةً من الماس ، فخفق قلبها ، فسألت صديقتها: اتستطيعين ان تعيريني هذه القلادة ؟ لا اريد غير هذه القلادة ، فوافقت صديقتها.
أقيمت الحفلة الساهرة ، وكانت ماتيلدا اكثر من حضرها النساء جمالاً و لباقةً وبهجةً ، وقد محي من ذهنها كل شيءٍ في ظل السعادة التي بستطها عليها التحيات التي قُدمتْ اليها ، والإعجاب الذي قدمه اليها هؤلاء الحاضرون .
تركت الحفل في الرابعة صباحاً ، فلما همت بالانصراف ناداها زوجها : انتظري ، سأطلب عربة ، لكنها انحدرت مسرعة على السلم ،فلما صارا في الشارع لم يجدا مركبةً فمشيا ، ووجدا بعد مشقه مركبةُ عتيقةً ركباها آلى دارهما ، ودخلته وهي تتذكر كيف انتصرت على كل أولئك النسوة في الحفل ، نفضت عن كتفيها أمام المرآة الثياب التي تدثرت بها ، ولم تكد تنظر إلى جيدها حتى صرخت، انها لم تجد على نحرها ذلك العقد ، فالتفتتْ إلى زوجها هلعةً تقول : انا ....لا اجدُ العقد .
وطفقا يبحثانِ في ثنايا الثوب ، وفي طوايا المعطف، وفي جيوب هذا وذلك ، وفي كل مكان هُنا و هُناك ، فلم يعثرا عليه ، خرج زوجها يبحث في الطريق ،ثم عاد في الصباح دون ان يجد شيئاً، وفي آخر المطاف أعلن السيد لوازيل أنه لا بد من وسيلةٍ لشراءِ عقدٍ بدل العقد الذي فُقد .
- وفي صباح الغد آخذا علبة الحلية ،وذهبا يضطربان في سُوق الجواهر ، ويتنقلان من صائغ إلى صائغ يسألان ويبحثان ، ووجدا اخيرًا عقدًا من الماس يشبه في نظرهما العقد المفقود كُلَّ الشبهِ ، وكان ثمنه أربعين الف فرنك ،وكان السيد لوازيل يملك ثمانية عشر الف فرنك تركها له ابوه ، فلا مناص ان يقترض الباقي ، اقترض ألفا من هذا وخمسمئة من ذاك ، وخمس ليرات من هُنا وثلاثاً من هُناك، وكتب على نفسه صكوكاً ، وأخيراً ذهب يشتري العقد الجديد ، ولما أخذت السيدة فورستييه من السيدة لوازيل ، قالت بلهجة عتابٍ : كان ينبغي لكِ ان ترديها قبل الان .
ذاقت السيدة لوازيل بعد ذلك عيش المعوزين ، فلا بد من قضاء الدين ، فاستغنت عن الخادمه واستأجرت غرفه فوق السطوح ، وباشرت با عمال البيت والمطبخ بنفسها ، فنظفت الأطباق ، وغسلت الملابس ونشرتها على الحبل ، وحملت الماء من الأسفل ، وذهبت إلى السوق وفي ذراعها السلة ، فإذا انتهى الشهر دفعت صكاً ووجدت اخر ، وطلبت مهلة ، وكان الزوج يعمل في المساء عند تاجر بأجر زهيدٍ ، ودأب هذان الزوجان في هذا الحال عشر سنين ، وفي النهاية أديا الدين كله بربحه الفاحش .
كانت السيدة لوازيل تغيرت هيئأتها وظهر في رأسها الشيب ، وصارت قويةً غليظةً ،شعثاء الشعر ِ، وكانت في بعض أوقاتها تجلس قُرب النافذة حين يجلس زوجها على المكتب ، فَتفكر في بعض تِلكَ الأمسية الذاهبة التي كانت فيها مهوى القلوب، ومراد الأعين ، وماذا لو ان هذه الحلية لم تفقد ؟
وفي ذات مرة بينما كانت في حديقه الشأنزلزيه ابصرت السيدة فورستييه ، فدنت وسلمت عليها ، ولكن صديقتها أنكرتها ، فقالت لها : أنا ماتيلدا لوازيل ، فقالت السيدة فورستييه : صديقتي الطيبة ماتيلدا ، تغيرتِ كثيراً .
فقالت : نعم ! لقد عانيت بُؤس العيش بسببك .
قالت السيدة فورستييه :بسببي!! وكيف ذلك ؟
قالت : انك ولاشك تذكرين ذلك العقد الذي أعرتني إياه يوم حفلة الوزارة ، لقد اضعتُه .
قالت السيدة فورستييه : وكيف اضعتيهِ وقد رددتهِ الي ؟
قالت: لقد رددت إليك عقداً آخر يُشبُههُ وها هي عشرة أعوام قضيناها في اداء ثمنهُ ، وليس ذلك باليسر علينا كما تعلمين ، وقد انتهى الأمر والحمد لله ، وأصبحت على هذه الشدة راضية مغتبطة .
فقالت السيدة فورستييه في تؤدةٍ وبطءٍ: أتقولين انك اشتريت عقداً من الماس بدل عقدي ؟
فقالت السيدة لوازيل : نعم أ لم تلاحظي ذلك ؟ إنه لايختلفُ عنه في شيءٍ .
فاخذت السيدة فورستييه يدي السيدة لوازيل في يديها وقالت لها بلهجة الإشفاق :
- مسكينة ياصديقتي ماتيلدا، ان عقدي مان مزيفاً ، وثمنه لا يزيدُ على خمسمئة فرنك . 🤦‍♀️

العقد Where stories live. Discover now